فظائع الكارثة موجودة في التفاصيل

الكارثة

بقلم: سمداربات آدام

اليوم لن تظهر شوشانا تصديكوف أمام طلاب المدرسة الثانوية القريبة من بيتها في رعنانا. فهي لن تقف أمام الشبان الذين كانت في جيلهم عندما رجوها وهم يصرخون «أراوس» (قردة) عندما أخرجوها من بيتها. «حملوا كل الشباب، شباب تماما في عمر 12 و16…». هكذا اعتادت أن تقص في كل سنة على التلاميذ الصامتين. هي لن تقص بعد اليوم كيف أنها حتى اليوم تسمع أمها تصرخ عليها «حافظي على سابينا»، أختها الصغيرة إبنة الـ 12 سنة. لكنها في يوم واحد تعلمت أن الحياة الجديدة تتراوح بين «أوغلنك» ـ القسم الذي حشروهم فيه ـ و»البرتست» ـ الطبقات الخشبية التي ينامون عليها باكتظاظ، «أبل» ـ ضابط العدد الذي من خلاله يرسلونك «لينكس» ـ إلى اليسار أو «ريخس» ـ إلى اليمين. وكيف نجحت في البقاء حية مع سابينا واجتيازها معسكر العمل حتى الموت، سكريزسكو كمينا، مع قطعة خبز يوميا، حيث يُقسم كل رغيف خبز على عشرة أفواه جائعة.

في مصنع لاعداد الذخيرة في سكريزسكو عاملوا الناس تقريبا كما نعامل أكياس النايلون التي ترمى لاعادة التدوير. عمل لا ينتهي بمواد قاتلة. من يضعف يُرسل إلى «وورك سي» حيث يعملون هناك بمسحوق «إكرين» الذي يقلص أيام حياتك إلى ثلاثة اشهر من المتاعب على الاكثر، التي خلالها تتحول إلى مخلوق شعره الخفيف محمر أو مخضر ووجهه واظافره صفراء والجسم يتعفن وهو حي.
سكريزسكو كمينا هو قصة اخرى للكارثة الفظيعة من بين سلسلة إبادة الشعب اليهودي، من انتاج النظام النازي وبتعاون حماسي لشعوب كثيرة مثل اوكرانيا (900 ألف)، ليطا (200 ألف)، هنغاريا (570 ألف)، رومانيا (287 ألف) وكما هو معروف بولونيا (3 ملايين).
لزاما علينا أن نعود ونقص قصته بتفاصيلها، وكذلك ايضا قصص المعسكرات الاخرى وقصص مبادرات القتل المحلية التي أدت إلى حرق مئات يهود هذه القرية أو تلك في هذا الكنيس أو في ذاك المخزن. ولزاما علينا أن نعرف نحن والاجيال القادمة بعدنا عمق الكارثة والقسوة وكذلك البساطة غير المحتملة لقتل اليهودي. ومن الواجب أن نعرف أن الذوبان في داخلهم لم يفد، وايضا لم يُفد التماهي المطلق مع الدولة، حتى الخدمة العسكرية في الجبهة بدافع الوطنية في الحرب السابقة لم ينقذ المقاتلين المعتزين.
من المهم أن نتعلم ونورث أدق التفاصيل وخاصة اليوم، حيث من جانب يوجد من يحولون المانيا إلى «ميلكي» أرخص وشفارتسفالد إلى موقع يعرض ثلاث طرق للسياحة، بدون أي كلمة عن الكارثة. ومن جانب آخر هناك من بيننا من يدافعون ويستخفون بمن ترتبط هذه القصة بروحه، وهو ينظر بتروٍ إلى العالم ويكشف وجوه اولئك الذين يريدون إبادتنا.
شوشانا تصديكوف التي عرفت كيف تنقل قصة مكونة من حقائق تاريخية وتقنية إلى جانب المشاعر والاحاسيس والافكار، لن تقف بعد أمام التلاميذ كشاهد حي على بطولة الصمود أمام الوحوش وجهاز الابادة. بطريقتها كانت مصممة على ألا تُمكن من استخدام الحديث عن الكارثة كقاعدة للنقاش في «إبادة الآخر». إن من يقوم ولو بجزء بسيط من المقارنة، قالت بغضب، يدفننا ثانية ويمنح نصرا للأعداء.
قبل حوالي شهرين توفيت. كل 45 دقيقة يموت ناجٍ من الكارثة. أكثر من ألف ناجٍ من الكارثة يموتوا في كل شهر. الصورة الكاملة تتكون من تفاصيلها الدقيقة، من واجبنا التعمق في التفاصيل والنضال ضد محاولة المقارنة. لتكن ذكراها وذكراهم مباركة.
ولكن المساعدة للاجئين الفلسطينيين ليس موضوعا للانسانية أو الرأفة. إذ في نظرهم/نظرنا خط مباشر وقصير يربط بين الاعتراف بالمعاناة الفلسطينية وبين الاعتراف بمسؤوليتنا. هذا هو المنحدر السلس الذي من شأنه أن يدمر اسس الرواية الصهيونية، عدالة الطريق واحتكار الاحساس بالضحية

إسرائيل اليوم 

سمداربات آدام