كولومبو الجزيرة !
بعد نحو ثمانية أعوام على رحيله، يعود الرئيس / الشهيد ياسر عرفات حياً من جديد، حيث ما زالت روحه تلاحق القتلة، الذين تعرفهم كل الدنيا، رغم كل ما قاموا به من " تغطية " محكمة على الجريمة، وقد يعود السبب في ذلك إلى مكانة الراحل الكبير لدى ملايين الفلسطينيين، حيث لا شك أن أية إثارة أو محاولة لكشف اللبس عن ظروف وملابسات استشهاده، ستقابل باهتمام وحتى بتقدير وارتياح ملايين الفلسطينيين.
"جزيرة" قطر التي تعرف من أين تؤكل كتف الشعوب العربية، أدركت أهمية هذا الأمر، كذلك هي تعرف جيدا كيف توظف إمكانياتها، ليس على الصعيد الفني أو الإعلامي وحسب ولكن على الصعيد السياسي، بما في ذلك توظيف شيخ الطريقة القطرية يوسف القرضاوي، الجاهز دائما وفي كل لحظة للإفتاء بما يسعى إلى تحقيقه أميره الشيخ حمد. المهم أن السيدة سها عرفات، كشفت كيف تم إعداد فيلم الجزيرة، وكيف بدأت الحكاية استنادا إلى فرضية " قتل " أبو عمار مسموما، وحيث أن تقرير المستشفى العسكري الفرنسي، لم يتضمن تشخيصاً دقيقاً لسبب وفاة أبو عمار لأنه لم يتجه إلى البحث في الفحوص النووية، من هنا عرض عليها قبل نحو عام طاقم الجزيرة التوجه إلى المعهد النووي لفحص السموم الإشعاعية في سويسرا، واستنادا إلى نتائج بحث العلماء السويسريين، تم بث الفيلم. سها أبلغت بنتائج البحث الطبي وهي في قطر، لذا فان أول رد فعل العديد من المراقبين وبعض السياسيين، سرعان ما كان بالإشارة إلى التوقيت الذي لا يخلو من توظيف سياسي.
أول ما يمكن أن يشار إليه هنا، هو أن الكشف عن ملابسات وتفاصيل الاغتيال، رغم أنها ستؤكد أن إسرائيل / شارون، هي الجهة التي دبرت الاغتيال، إلا انه ربما يحدث ضرر شديد لبعض المسؤولين الفلسطينيين، الأمنيين والسياسيين، حيث يمكن أن يثبت تورطهم، بعملية الاغتيال، إن كان من خلال العمالة المباشرة والصريحة أو يمكن الكشف عن تورطهم بالإهمال أو غض النظر، وما إلى ذلك. ثم بعد ذلك لابد من القول بأن "الجزيرة" وقطر وكل من يعمل بالسياسة له أهداف سياسية من أي عمل يقوم به، وبذلك قطعا، فان لقطر و"الجزيرة" أهدافاً سياسية من القيام بدور المحقق كولومبو في هذه القضية، كذلك لا شك أنها قامت بالتوظيف السياسي حتى هذه اللحظة، وذلك لتحقيق إحدى الحسنيين، إما ضخ المزيد من التأييد للمحطة، بعد أدائها خلال الربيع العربي، وبعد انحيازها للإخوان في كل مكان، ثم ربما كانت تحضر قطر " للوجبة أو الحلقة الثانية " من الربيع العربي، والتي تشمل على ما يبدو : السودان، موريتانيا، السلطة الفلسطينية، وربما المغرب والأردن. بحسب ما أشارت له الأخت سها فإن مبادرة طاقم "الجزيرة" كانت قبل نحو عام، أي بعد انطلاق موجة الربيع العربي، والجميع يذكر، أن "الجزيرة" حاولت الزج بالسلطة في أتون هذا الربيع، قبل أكثر من عام بنشر "ويكليكس" خاص بالمفاوضات.
أياً تكن الدوافع وأيا تكن النتائج، وأيا يكن من يقوم بكشف الحقيقة، فان ظهور الحقيقة هو أمر مقدس، ولا غبار عليه، خاصة حين يتعلق الأمر بأهم شخصية فلسطينية مرت عبر التاريخ، حيث لا بد أن ينخرط كل الفلسطينيين في هذه المهمة الوطنية، وان يتم الدفع إلى تشكيل لجنة دولية، حتى لا يتمخض جبل البحث عن فأر في النتائج، ذلك أن التوظيف السياسي في قضية جنائية، يخشى أن يتم "حشره " وتفصيله على مقاس من يقوم بعملية البحث والتنقيب ومن ثم الكشف والإعلان. أي أننا باختصار نود ونرغب في أن يتم فتح هذا الملف تماما، وبشكل موضوعي وكامل، لا ينطبق مع حسابات أو توظيفات احد ! السؤال، الذي ربما يشير إلى تقصير السلطة، هو لماذا لم تتم متابعة هذا الملف حتى هذه اللحظة، أي خلال 8 سنوات، والسؤال الآخر المرتبط به، هو هل حقاً أن السبب يعود إلى ضعف إمكانيات السلطة، على عكس إمكانيات "الجزيرة" التي تفوقها في ذلك، هذا إن لم نقل قطر الدولة الصغيرة لكن العجيبة في إمكانياتها المالية، وهي إمكانيات ربما اقل من إمكانيات السعودية أو الإمارات أو حتى الكويت، ولكن العجيبة في توظيف أموالها، في اتجاهات "معاكسة" وأحيانا متعاكسة ! هل السبب يعود إلى هذا، أم أن السلطة، فضلت تجنب إطلاق انتفاضة شعبية حقيقية في وجه الاحتلال ؟ من المعروف أن أبو عمار قاتل بجسده، وهو في المقاطعة محاصرا، وأطلق عبارته المشهورة : يريدونني شريدا أو طريدا، أنا أقول شهيدا شهيدا شهيدا. وكان يعرف أن إقدام إسرائيل على قتله، سيشعل فلسطين كلها، لذا فإن الدهاء اليهودي، توصل إلى "قتله" دون ضجة ودون إحداث ردة الفعل هذه.
وحين تأكد شارون من تقدم السم الإشعاعي في جسده النحيل، سمح للطائرة الفرنسية بنقله إلى المستشفى العسكري في باريس وهو متأكد من وفاته المحتمة! هل سيؤدي الآن كشف ملابسات الجريمة إلى إحداث مثل هذه العاصفة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، أم أن الفلسطينيين، بعد مضي ثماني سنوات، وبعد أن اقتصت العدالة الإلهية من شارون فورا، بموته سريريا بعد رحيل عرفات بأشهر معدودة، سيكتفون، بمظاهرات تندد بالقتلة، وربما بمعاقبة من يثبت " تورطه " بهذا القدر أو ذاك من الفلسطينيين، في جريمة الاغتيال. نظن أن هذا هو مربط فرس هذا الملف الآن، ونظن أيضا أنه كلما مر الوقت، كلما كان رد الفعل الشعبي أقل حدة، وكلما صار ممكنا الكشف عن جريمة أدمت قلوب الفلسطينيين جميعا، بعد ذلك فان تفاصيل من نمط، تحسس الفلسطينيين من "إقلاق" راحة الشهيد، بفتح قبره واخذ عينة من رفاته لفحص وجود السم الإشعاعي فيها، لتوفير أول الأدلة في إثبات عملية قتله، وبعد ذلك تحديد أداة الجريمة، التي ربما تكشف عن متورطين فلسطينيين، ثم تحديد المجرم، لن تكون حجر عثرة في طريق التحقيق حتى يغلق الملف، وينفتح عند ذلك ملف سياسي، قد يكون هو الربيع الفلسطيني، ضد الاحتلال أو ضد السلطة أو ضدهما معا، فيما يبقى فتح ملف الربيع الفلسطيني ضد سلطة "حماس" في غزة، كأول ثورة ضد الحكم الأخواني الذي ينتشر بالدعم القطري في كل أرجاء الوطن العربي يحتاج فضائية أخرى غير "الجزيرة".