فرصة تاريخية

أفيعاد كلاينبرغ
لقد قامت دولة إسرائيل لان قادتها عرفوا كيف يستغلوا نافذة الفرص. فبعد الحرب العالمية الثانية كانت لحظة رأت فيها الكتلة الشرقية الاعتراف بإسرائيل فرصة لمناكفة احدى القوتين العظميين الغربيتين، بريطانيا، وتسريع عملية تفكيك الامبراطورية البريطانية التي سيطرت على المناطق التي كان للسوفييت مصلحة فيها. كان هذا جيد لليهود. فقد صوت الاتحاد السوفييتي وجريراته إلى جانب القرار في 29 تشرين الثاني. والاهم من ذلك، صادق السوفييت على صفقة السلاح التشيكية، التي نقل فيها إلى الدولة الجديدة عتاد عسكري حيوي رفض الغرب تزويدها به.
بعد وقت قصير من تسخين الاجواء جاء التبريد. فقد تكون إسرائيل سيطر عليها حزب العمال، ولكنها استقرت بلا تردد في الكتلة الغربية، فنقلت الكتلة الشرقية تأييدها إلى الدول العربية واصبحت موردة السلاح الاساس لبعض من اعدائنا الكبار، ولا سيما مصر. غير أنه في هذه المرحلة كانت إسرائيل قد اصبحت حقيقة قائمة. والباقي تاريخ.
توجد دولة إسرائيل اليوم امام نافذة مفتوحة. فهجوم الإسلام المتطرف، الشيعي والسني على حد سواء، على الدول العربية المؤيدة للغرب في المنطقة خلق خريطة مصالح جديدة في الشرق الاوسط. ودول مثل مصر، السعودية، الاردن وقسم من دول الخليج ترى في الإسلاميين وليس في إسرائيل التهديد الاكبر على أنظمتها. وعن حق ترى في حماس غزة جيبا إسلاميا خطيرا وتتعاطى معه بناء على ذلك (انتبهوا إلى العداء الظاهر من جانب مصر تجاه حكومة حماس في غزة في اثناء الجرف الصامد وما بعدها). كما ان السلطة الفلسطينية لم تعد تتمتع بتأييد جارف من القوى المتطرفة.
واذا كان التأييد للقضية الفلسطينية في الماضي هو السبيل لصرف الانتباه عن المشاكل الداخلية في الدول العربية وكسب النقاط في العالم، فان هذا ليس الوضع اليوم. فإسرائيل هي اليوم حليف «طبيعي» للانظمة المؤيدة للغرب في المنطقة. ليس لهذه مصلحة في ضعضعة استقرار إسرائيل او تهديد وجودها، وبالعكس.
هذا لا يعني أن الدول العربية «المعتدلة» يمكنها أن تتنازل عن حل المشكلة الفلسطينية. فالاعتراف الرسمي بضم المناطق وبالمشروع الاستيطاني سيثير رد فعل خطير في الرأي العام والذي هو بطبيعته اقل بكثير «واقعيا سياسيا» من القيادة. ومن أجل جعل إسرائيل حليفا رسميا، جزءاً من منظومة استراتيجية اقليمية، هناك حاجة للوصول إلى حل للنزاع.
هذا بالفعل يعني ان الثمن الذي ستكون إسرائيل مطالبة بدفعه بالمقابل هو اليوم ادنى بشكل استثنائي. فالحلفاء المحتملون لها سيكونون مستعدين بقدر أكبر بكثير مما في الماضي لاستخدام روافع ضغط هامة على الفلسطينيين لغرض المساومة. وهم سيكونون مستعدين للمساعدة باشكال مختلفة لتلبية الاحتياجات الامنية الشرعية لإسرائيل. فالسيطرة الإسلامية على فلسطين سيئة لهم مثلما هي سيئة لنا. هذه هي نافذة الفرص.
يفترض أن يكون لإسرائيل مصلحة في الوصول إلى حل. فانعدام الفعل ـ السياسي الإسرائيلي عمليا منذ اوسلو ـ ستجعل الدولة ثنائية القومية حقيقة في المستقبل غير البعيد. اما الفصل بين السكان فسيصبح صعبا إن لم يكن متعذرا كلما استمر استيطان اراضي الضفة. وعمليا سيتعين على إسرائيل أن تختار بين خيارين سيئين من ناحيتها: إما تأطير عدم المساواة (بمعنى الاعلان الرسمي عن نوعين من السكان ـ اصحاب الحقوق المدنية وعديمو الحقوق المدنية ـ تحت سيادتها) او منح المواطنة الإسرائيلية لاقلية فلسطينية كبيرة ومعادية.
الامكانية الاولى ستؤدي إلى عزلتنا في كتلة الدول الديمقراطية. اما الامكانية الثانية فستصفي الحلم الصهيوني. والامكانية الثالثة، بحيث يحصل «شيء ما» يسمح لنا بالسيطرة على الفلسطينيين وادارة سياسة اقليمية ناجعة دون تسوية، ستكون مثابة معجزة.
لا ينبغي الاعتماد على المعجزات. فإسرائيل لم تقم بفضل المعجزات. قامت بفضل قدرة مثيرة للانطباع لدى زعمائها في أن يفهموا منظومات القوة وان يستغلوا الفرص. في الوقت الذي ننشغل نحن فيه بعنات فاكسمان، فان نافذة الفرص آخذة في الانغلاق.
يديعوت