رئيس مقطوع عن الواقع

ما يقلق أوباما ليس داعش ولكن خطاب نتنياهو حول العرب أثناء حملته الانتخابية
بوعز بسموت
الزعيم الروحي لإيران علي خامنئي قال هذا الاسبوع إن بلاده «لن تسمح للاجانب بالدخول إلى مواقع الجيش»، وإنه يعارض «الفرض والمطالب المبالغ فيها» من جانب «العدو المتبجح» (الولايات المتحدة). وماذا يعني ذلك. الطريق إلى الاتفاق النووي مع إيران تم شقه، اذا ما هي قيمة الكلمات.
لكن الامر المقلق لأوباما في المقابلة المطولة التي اعطاها لجفري غولدبرغ، ليس درر خامنئي بل الاقوال التي قالها رئيس حكومة اسرائيل نتنياهو في يوم الانتخابات فيما يتعلق بعرب اسرائيل ـ ذلك القول الذي اعتذر عليه نتنياهو. «اقوال كهذه تتعارض مع وثيقة الاستقلال، ويمكن أن يكون لهذه الاقوال تأثيرات على السياسة الخارجية للولايات المتحدة»، هكذا هدد أوباما. بكلمات اخرى تستطيع إيران أن تكون دولة إرهاب ـ لاسامية ـ تضعضع الاستقرار في الدول السنية، وفي نفس الوقت تُحقر قيم الولايات المتحدة، لكن يمكن الاعتماد عليها، على عقلانيتها (؟!)، وعقد صفقة عمياء معها تقريبا. لكن نتنياهو من ناحية أوباما هو نوع من الاشخاص المؤشر عليهم بأنه غير مسموح دعوتهم قريبا إلى البيت الابيض.
هنا توجد المشكلة الحقيقية في الشرق الاوسط: ليست إيران (التي يعقدون معها صفقة، ولا داعش الذي يهزمونه!). المشكلة المركزية للشرق الاوسط هي رئيس حكومة اسرائيل المنتخب. لكن عاشت الديمقراطية.
كان هناك ثلاثة مستويات في مقابلة أوباما: الاول، الحرب ضد داعش، الاتفاق النووي مع إيران وعلاقات أوباما مع اسرائيل والشعب اليهودي. داعش في البداية. ربما كان هذا هو الجزء من المقابلة الذي يثبت إلى أي درجة يبدو فيها الرئيس الأمريكي مقطوعا عن الواقع ويفضل أن يكون رومانسيا كما في ايام ربيع الشعوب العربية السعيدة، أو في ايام مرسي الواعدة. «لا، أنا لا أعتقد أننا خاسرون»، قال لغولدبرغ. فقط أمس سقطت بالميرا «تدمر» في سوريا بعد أن سقطت الرمادي في العراق قبل ثلاثة ايام. لكن أوباما يوضح بأن القوات العراقية التي عملت في الرمادي ليست جزءا من القوات التي دربها الأمريكيون. نصف مساحة سوريا اصبحت في أيدي داعش، دمشق في أيدي الاسد (إرهابيون مقابل حكم إرهاب) ـ الاساس «أننا لسنا خاسرين». لكن الاقوال التي قالها نتنياهو (هل تذكرون) سيكون لها تأثيرات على السياسة الخارجية للولايات المتحدة. أوباما لا يرى مشكلة في الحرب ضد داعش ـ هذا يعني أننا في مشكلة.
المستوى الثاني تم تكريسه لإيران. أوباما هو رئيس شاب ولهذا يقول لغولدبرغ: «انظر، بعد عشرين سنة من اليوم سأكون هنا في المحيط إن شاء الله. اذا حصلت إيران على السلاح النووي فانه سيحمل اسمي». لكن أوباما نسي أنه قال قبل شهرين فقط في الاتفاق مع إيران «إننا في الواقع نشتري 13 أو 14 أو 15 سنة يكون لنا فيها تعهدات، حسبها يكون زمن الاختراق للحصول على المادة الانشطارية، قريبا من الصفر». بكلمات اخرى، أوباما ربما يحتاج إلى تقرير للتاريخ ليس بعد عشرين سنة بل بعد 15. أليس كذلك. هو من قال ذلك.
المستوى الثالث من المقابلة تطرق إلى علاقات أوباما مع اسرائيل. «أريد أن تشكل اسرائيل رمزا للقيم الانسانية والعالمية، تلك القيم التي أدت إلى الغاء العبودية، والتي قادت إلى تحرير نلسون مانديلا». حتى لو لم يقل أوباما ذلك فانه يرى في نتنياهو النقيض لنلسون مانديلا. أوباما يخلط بين السياسة التي توضع للحفاظ على أمن المواطنين وبين العنصرية والابرتهايد.
أوباما، يتضح من المقابلة، ليس مستعدا أن يغفر لنتنياهو اقواله بشأن العرب الذين يتدفقون نحو صناديق الانتخابات. الله يغفر لكن أوباما لا.
ليس هذا فظيعا، اذا كان هو نفسه خلال الحملة الانتخابية في 2012 دعا الأمريكيين من اصول لاتينية في الولايات المتحدة للتصويت من اجل معاقبة الاعداء الجمهوريين (من كان يقصد بالاعداء؟ تيد كروز؟ ماركو روفين؟) أو نائب الرئيس جو بايدن الذي ظهر أمام الجمهور الأمريكي من اصول افريقية وقال لهم إن المرشح الجمهوري للرئاسة، ميت رومني، اذا نجح فهو سيقيدهم بالسلاسل. ايضا الحقيقة أن المحافظين في بريطانيا دعوا ناخبيهم للتصويت من اجل وقف التأثير الاسكتلندي في البرلمان ـ هذا سليم. الاساس أن هذا ليس نتنياهو.
أوباما يتوق إلى اسرائيل التي كانت ذات يوم، اسرائيل الكيبوتسات، اسرائيل ديان وغولدا التي تعرف من خلالها على اسرائيل وقيمها. تذكار قصير، سيدي الرئيس، غولدا مئير هي التي قالت «لم يكن هناك شيء اسمه فلسطينيين. متى على طول التاريخ عاش شعب فلسطيني في بلاده فلسطين؟ لم يكونوا في يوم من الايام شعبا».
لو أن نتنياهو كان الذي قال ذلك، لكان ذلك من وجهة نظر أوباما هو نهاية العالم.
اسرائيل اليوم