الأخطاء الطبية جرائم دون عقاب

في مؤسسة "الأيام" ثلاثة من الزملاء لحقت بهم أو بعائلاتهم أخطاء طبية فاضحة في مستشفياتنا الفلسطينية، وهنا لا أتحدّث عن القطاع الصحي الحكومي ولكن الخاص والأهلي، أيضاً. زميل سابق أصيب بكسر في رجله، زرعت له "المسامير المعدنية" حالته ساءت كثيراً.. وبدل أن يشفى من الكسر في مدة لا تتجاوز أسابيع.. ورغم مراجعاته الكثيرة ومحاولة طمأنته.. إلاّ أن وضعه الصحي تدهور بشكل واضح. الزميل المكسور جسدياً ونفسياً قرّر المغادرة إلى بيروت للعلاج، وهناك اكتشفوا الكارثة.. التهاب حادّ خطير جداً بسبب أخطاء في الجراحة.. لو تأخر في الوصول إلى بيروت أياماً، كما قيل له، لتقرّر بتر رجله؟! زميل آخر أجرى لزوجته عملية مرارة في إحدى مستشفيات محافظة في شمال الضفة، الطبيب المسؤول عن ذلك أغلق إحدى القنوات المرارية.. النتيجة تدهور حاد في حالتها الصحية.. لم يكن هناك مفرّ سوى نقلها كحالة مستعجلة إلى مستشفيات الداخل.. هناك عاينوا الحالة.. والقرار بإجماع الأطباء خطأ طبي فاضح.. الجرّاح طبيب مشهور حاول التملُّص من مسؤوليته عن الحادث.

الحالة الثالثة، أيضاً، لزوجة زميل في "الأيام" هي، أيضاً، أجرت عملية إزالة المرارة بالمنظار في مستشفى برام الله.. النتيجة قام الجرّاح بقطع إحدى القنوات المرارية الرئيسة، اعتبرها قناةً زائدة.. النتيجة انهيار في وضعها الصحي.. نقلت على عجل إلى أحد المستشفيات الأردنية.. أجريت لها عملية جراحية عاجلة من أجل السيطرة على الوضع.. بعد تغيب عن العمل دام حوالي شهر عاد الزوج ليؤكد أن زوجته بحاجة إلى فترة علاج طويلة. قبل أسبوع ذهبت لتعزية زميلة في بلدة كوبر.. توفي قريب لها من الدرجة الأولى.. يقول شقيق المتوفى: شعر بألم في الصدر.. نقلناه إلى أحد مستشفيات رام الله للعلاج.. وبعد مكوثه فترة في الطوارئ، وهو مريض قلب سابق.. إلاّ أن الطبيب هناك أخبره أنه يعاني من "البرد" رغم أنه تقيّأ داخل المستشفى.. طلب منه المغادرة.. بعد ساعات من مغادرته المستشفى انتقل إلى رحمة الله متأثراً بجلطة قلبية كان مصاباً بها لدى وجوده في المستشفى. وعمره لا يتجاوز (45 عاماً).

قبل فترة أصيب لاعب كرة قدم مشهور بكسر في رجله.. أدخل إلى مستشفى في جنوب الضفة.. كما أكد لي طبيب، فإنه في حالات الكسور ربما تؤدي إلى نوع من التجلُّط.. وهذا يحتاج إلى حقنة خاصة لتفادي هذا العرض الجانبي.. اللاعب فعلاً أصيب بالجلطة، وكانت الأعراض واضحة، حرارة، وتقيُّؤ، وآلام.. ولكن الإجابة كانت: هذه آلام الكسر.. ساعات قليلة.. كان اللاعب العشريني في ذمة الله. بعد الاستفسار تبيّن أن تلك الحقنة التي لا يتجاوز ثمنها عشرين شيكلاً غير متوفرة في المستشفى.. ولكنها موجودة في الصيدليات الخارجية؟!

في الأمثلة السابقة حاولت أن تكون الحالات موزعة جغرافياً على شمال وجنوب ووسط الضفة، للتأكيد أن هذه الأخطاء منتشرة في كل العيادات والمستشفيات والمراكز الطبية. هذه الأخطاء ليست مجرّد حالات فردية.. بل أصبحت في السنوات الأخيرة تشكل ظاهرة مقلقة.. الحساب والعقاب فيها غير ظاهر.. وربما هناك عشرات القضايا المرفوعة ضد أطباء بسبب أخطاء طبية قاتلة، دون أن يتم الفصل فيها وبعضها منذ أكثر من عقد من الزمن. السؤال المطروح: لماذا؟! هل هي قلّة كفاءات - كما يُقال - لأن الأكفاء يذهبون ويُهاجرون إلى حيث العائد المادي الذي يُعوّضهم عن استثمارات هائلة صرفت خلال دراستهم؟.. أم هي أوضاع القطاع الصحي وعدم مواكبتنا للتطور العالمي؟ مئات ملايين الدولارات التي صُرفت على العلاج في الخارج لو تم استثمارها بشكل جيد، ألم نتمكن من الاقتراب من التطور في القطاع الصحي في الدول المجاورة؟!

صحة الإنسان غير قابلة للمساومة، ولا يمكن أن تمر هذه الأخطاء فقط بالمصالحة العشائرية وتبويس اللّحى، أو أن تموت في أروقة القضاء، خاصة وأن الأخطاء الطبية هي الأصعب قضائياً؟! يبقى القَسَمُ الذي أدّاه كل طبيب هو خارطة الطريق لضميره.. إذا لم يكن قادراً فلا يُكابر.. وإذا كان مضغوطاً فليحوّل إلى غيره.. دون ذلك ستتصاعد الأخطاء الطبية.. ولكن من يضمن أن والد شاب مات بسبب خطأ طبي.. أو ابن لأب قضى في غرفة طوارئ دون أن يُقدّم له العلاج في الوقت المناسب، قد يأخذ القانون بيده.. وعندها لا ينفع الندم. وزارة الصحة مطالبة بالتحقيق الجدي في هذه القضايا.. نقابة الأطباء هي ضمير كل أولئك الذين عانوا وما زالوا جرّاء أخطاء فاضحة ارتكبها حتى جرّاحون مشهورون، فهل يكون التحرك سريعاً وحقيقياً؟!!