الحضور في المشهد السياسي الاميركي

الصدفة المحضة جمعتني ببعض الاصدقاء، ودار الحديث عن لقاء هيلاري كلينتون مع رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض. واستوقفني استنتاج لصديق، مفاده، ان الفلسطينيين مخطئون جدا في تقدير ذاتهم، مفترضين ان اميركا تنام وتصحو ، وهي تفكر بقضيتهم. علينا اولا ان نعالج قضايانا بايدينا قبل ان نناشد احدا." واضاف صديق آخر مؤكد ما جاء على لسان الاول، قائلا، حضرت قبل ايام لقاء على احدى الفضائيات بين طلال عوكل واحد الاميركيين، الذي رد على عوكل ، ان مشكلتكم في فلسطين الاعتقاد ان اميركا مهمومة او منشغلة كثيرا في قضيتكم ."

بسبب ضيق الوقت حين اللقاء لم اناقش الموقف، ولكني رأيت ان ادون وجهة نظري هنا، من منطلق الاختلاف مع وجهة الاصدقاء، لاني اعتقد ان القضية الفلسطينية اولية في السياسة الاميركية ليس حبا في الفلسطينيين، ولا لان على الرأس الفلسطينية "ريشة" ، ولكن لعدة اعتبارات من اهمها:

اولا ارتباط القضية الفلسطينية بالمسألة اليهودية ووجود دولة الابرتهايد الاسرائيلية، التي تعتبر الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الاميركية بكل مكوناتها السياسية والاقتصادية والامنية والثقافية- الاعلامية.

ثانيا: ارتباطها المباشر بالمصالح الحيوية الاميركية في المنطقة العربية. التي اعلن رؤساء اميركا المتعاقبين عن الاهمية الاستراتيجية للمنطقة العربية للمصالح الحيوية الاميركية ، لانها تختزن في تربتها النفط ومشتقاته ذات الاهمية الاستراتيجية لدول العالم كله وخاصة الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي خاضت الحروب على اجل السيطرة على منابع النفط، لتتحكم بالسيطرة على العالم،

ثالثا الموقع الاستراتيجي الذي تحتله المنطقة في الجيوبوليتك الاقليمي والدولي. واهميتها في الصراع الدائر بين الاقطاب الدولية لامساك العالم من قرنيه. فضلا عن الثروات الاخرى وعائدات النفط وما تمثله من سوق استهلاكي هام لتصريف السلع والبضائع المنتجة في الشركات الرأسمالية.

هذه وغيرها من العوامل جعلت من القضية الفلسطينية اولوية في السياسة الاميركية رغما عنها او بارادتها، فاسرائيل قضية القضايا بالنسبة لصانع القرار الاميركي، والقضية الفلسطينية لصيقة وعميقة الصلة، لا بل هي الوجه الاخر للقضية الاسرائيلية، التي لا يستطيع كائن من كان من صناع القرار في الهيئات التشريعية او التنفيذية او الامنية إلا ان يعتبرها قضيته الرئيسية وقبل القضايا الحياتية الاميركية.

إنطلاقا مما تقدم فان القضية الفلسطينية لها مكانة رئيسية في المشهد الاميركي. لذا لا يكف قادة اميركا عن التصريح تلو التصريح حول القضية لدغدغة عواطف الفلسطينية والعربية والاسلامية والاممية. ولتهدئة خواطر الشعوب.

لكن الخلل يكمن في ادارة القيادات السياسية الفلسطينية والعربية العملية السياسية، ونتيجة الافلاس السياسي، والخضوع لمشيئة السياسات الاميركية نتيجة التبعية السياسية والاقتصادية والامنية لمنطق الادرات الاميركية، لم ترتق الولايات المتحدة لمستوى المسؤولية للقيام بما تمليه عليها مصالحها الحيوية .

ليس هذا فحسب ، بل انها اميركا لم تعر المصالح الوطنية والقومية اي اهتمام، وتنحاز بشكل فاجر ووقح لصالح دولة الارهاب والابرتهايد الاسرائيلية دون ان تخشى اي ردة فعل من اي نوع. هنا يتفق المرء مع الاصدقاء بان المشكلة تكمن في الذات الوطنية والقومية. بتعبير آخر، بمقدار ما تتمكن القيادات الفلسطينية – العربية من اعادة ترتيب شؤون البيت الفلسطيني والعربي ، واستثمار اوراق القوة الموجودة باليد العربية بشكل مسؤول، بمقدار ما يمكنهم (العرب ) ان يلزموا الولايات المتحدة واسرائيل على الالتزام باستحقاقات التسوية السياسية.

a.a.alrhman@gmail.com