غزة: أهلاً رمضان.. وداعاً للكهرباء !!
تردّدت كثيراً في أن أتناول موضوع الكهرباء في غزة، ليس فقط لأن هذه المسألة تم تناولها من قبل المحلّلين والمعلّقين في كافة وسائل الإعلام الفلسطينية بشكل دائم وشبه يومي فقط، ولكن لأن المعلومات المتوفرة عن هذه الأزمة المستفحلة شحيحة ومشكوك في دقتها كونها في الغالب تتعلق بتبرير الأزمة وإلقاء اللوم على جهات أخرى، مصرية تارة، وفلسطينية في الضفة الغربية تارة أخرى، وأحياناً، يتم إلقاء اللوم على المستهلك وعدم قدرته على ترشيد استخدامه للطاقة وللسرقات من الشبكة الرئيسة، وعندما تكون المعلومات هي مجرد محاولات لإلقاء المسؤولية على جهات أخرى، فهي لا تصلح كي يتم تناولها باعتبارها مرجعاً دقيقاً يمكن لأي متابع أن يتناول هذه المسألة بالعمق الكافي، إلاّ إذا كان الأمر ينطوي على الشكوى أو مقترحات لا قيمة لها في ظل انعدام القدرة على الوصول إلى المعلومات التي يمكن الاستناد إليها للوصول إلى الحقيقة. لكن مع تفاقم الأزمة في رمضان، وإعلان شركة التوزيع عن برنامج رمضاني جديد يتعلق بالتوقيت وليس لزيادة ساعات الإمداد بالطاقة الكهربائية، وجدت أنه يمكن تناول هذه الأزمة التي تعتبر إحدى أهم مظاهر الحصار، الذي تفرضه جهات عديدة وفشل حكومة "حماس" في غزة في التعاطي مع هذه الأزمة لحلها، مع ما يمكن أن يقال بهذا الصدد، من أن هذه الأزمة تستخدم للتأكيد على استمرار الحصار من ناحية والضغط على جهات عديدة لتحميلها مسؤولية الحصار الاقتصادي والخدمي، للحصول على اعتراف سياسي بنتائج الانقسام.
وأعتقد أن إلقاء اللوم على جمهورية مصر العربية، وتحديداً جهاز المخابرات المصرية، كما تناولته بعض التصريحات من مسؤولين في القطاع، لا يبرر استمرار الأزمة على ضوء المتغيرات التي راهنت عليها بعض القوى، خاصة حركة "حماس"، من أجل تغيير السياسات المصرية تجاه قطاع غزة وحركة "حماس" تحديداً، ولعل استمرار أزمة الكهرباء، وإلقاء اللوم في معظم الأحيان على السلوك المصري، هو تأكيد من حيث لا يريد البعض، على فشل الرهان على النظام المصري في ظل رئاسته الجديدة، على متغيرات حقيقية. لسبب بالغ البساطة، ذلك أن هذه الرئاسة، لا ترى القضية الفلسطينية من منظار ضيق بحجم أزمات القطاع، بل بنظرة شمولية تتعلق أولاً وقبل كل شيء بمفهومها للأمن القومي المصري وارتباطه بالتزامات هذه الرسالة المتكررة والمملة، بالاتفاقيات المعقودة مع إسرائيل. ومع أني لا أرى رابطاً بين الأمن القومي المصري وأزمة الكهرباء في قطاع غزة، إلا أني أعتقد أن هذه المسألة، تجعل من إلقاء اللوم على مصر ومخابراتها أكثر سهولة ويسراً لاعتبارات تتعلق باستمرار تعامل جمهورية مصر العربية، حتى في ظل رئاستها الجديدة، مع المسائل الداخلية الفلسطينية من منظار أمني بحت، كما كان الأمر عليه خلال العقود الماضية، الأمر الذي يزيد الاحتكاك بجهاز المخابرات المصرية على صعد عدة، يجد البعض أن إمكانية استخدام أزمة الكهرباء في غزة، بإلقاء اللوم على جهاز المخابرات المصرية، كشكلٍ من أشكال الصدام مع هذا الجهاز للضغط عليه في إطار عملية الاحتكاك هذه، إضافة إلى أن ذلك الأمر، يريح الجهات المسؤولة عن الأزمة في تبرير استمرارها.
وقد استبشر المستهلك الفلسطيني في قطاع غزة بحدثين هامين، كان يمكن معهما، انتهاء أزمة الكهرباء أو على الأقل التخفيف من وطأتها، الحدث الأول يتعلق بتركيب محولات جديدة لمحطة التوليد وتدشين أربعة محولات كهربائية في محطة تحويل غرب مدينة غزة، كجزء من مشروع إعادة تأهيلها بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية ـ صندوق الأقصى ومن خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، وحسب سلطة الطاقة فإن هذا الحدث سيجعل فترات انقطاع التيار الكهربائي أقل كما يوفر كهربائية أكثر، إلاّ أن ذلك لم يحدث كما يعرف كافة المواطنين في قطاع غزة.
أما الحدث الثاني في هذا الإطار، فيتعلق بمنحة الوقود القطرية التي تصل حسب تصريحات المسؤولين، تباعاً ولكن بكميات محدودة، لكنها تصل على أية حال من دون أن يلمس المستهلك أي تحسن ولو ضئيلاً، بل إن البرنامج المسمى ثمانية على ثمانية، أي 8 ساعات إمداد كهربائي، تليها ثماني ساعات انقطاع، يتم التلاعب بها من الناحية العملية، وفي الغالب هي 7 ساعات إمداد، و 9 ساعات انقطاع، وإذا عرفنا أن الإمداد الإسرائيلي بالوقود لمحطة التوليد ما زال مستمراً، فإن تواصل الأزمة من دون أي تخفيف من وطأتها، يظل محل تساؤل!! قد يكون أمر تشكيل لجنة تحقيق مفيداً لو أن هناك مصداقية تتوفر عند أطراف الأزمة، لكن في ظل عدم توفر إمكانية للحصول على المعلومات الحقيقية المقنعة، فإن مثل هذه اللجنة، ستظل تدور في فلك التبريرات المعروفة والمعلنة، وحتى لو توصلت مثل هذه اللجنة إلى الأسباب الحقيقية وراء الأزمة الكهربائية، فلا أعتقد أن لدى هذه اللجنة ما يكفي من الشجاعة لإعلان نتائج تحقيقاتها، كما كان الأمر عليه لدى التعامل مع ملف المصالحة الوطنية! وباعتقادي أن هذه الأزمة ستستمر طوال الانقسام، وإنهاء توزيع الأدوار وطوائف المستفيدين منه، وقد يتحسن الوضع نسبياً بين فترة وأخرى، إلاّ أن الأزمة ستبقى ما بقي الاحتلال والانقسام، وكلما نجح المستهلك الفلسطيني في قطاع غزة في تحمّل تبعات هذه الأزمة والتعامل معها بالتحايل عليها، سيظل أمر إنهاء الأزمة على حدود المستقبل غير القريب!!