لمن يعطلون المصالحة: باب التوبة في رمضان

"حرّ الأيام الأخيرة قد يبدو كصقيع أوروبا مقارنة مع ما ينتظرنا لاحقاً" بهذه الكلمات أجمل بن كاسبيت الصحافي بصحيفة "معاريف" الإسرائيلية المزاج العام لدى القيادة الإسرائيلية وحالة التأهب بينها وذلك بعد متابعته للاجتماع الهام لهيئة الأركان الإسرائيلية نهاية الأسبوع الماضي والذي عقدته في مقرها بتل أبيب "الكرياه" وهي تتابع الوضع في سورية. إسرائيل في حالة تأهب قصوى وإن لم يتم الإعلان عن ذلك حيث تنقل الصحافة الإسرائيلية بأن منظومة الاستخبارات على أعلى درجات التوتر ولم تكن بهذا الوضع في أي وقت خلال السنوات الأخيرة وربما العقود الأخيرة فقد وجه رئيس الأركان تعليماته للجيش للبقاء في الظل ولكن في أقصى حالات التأهب ورئاسة الأركان في حالة انعقاد دائم صحيح أن الجيش لم يجند الاحتياط ولكن سلاح الجو رفع حالة التأهب وقادة الأركان تجري تقييمات متواترة جارية للوضع. عملية التفجير الكبيرة التي طالت قادة الأزمة في سورية أعطت إنذاراً كبيراً لإسرائيل بأن الصراع في سورية بدأ يأخذ منعطفاً جديداً وأن النهاية تقترب وتشعر إسرائيل أن تلك النهاية ربما تجرها إلى ما يجعل هذا الصيف أشبه بصقيع أوروبا سواء من خشيتها لضربة "شمشونية" من قبل النظام بالرغم من تقييم أفيف كوخافي رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لتدني هذا الاحتمال ولكن إسرائيل تضع كل السيناريوهات على الطاولة ولا تترك الأمور تسير وفقاً للمصادفات أو للتسيير الذاتي. فقد طرحت حتى اللحظة في هيئة الأركان التي تضع نفسها في حالة اجتماع دائم ومتابعة مستمرة وتجري تقييمات لحظة بلحظة طرحت ثلاثة سيناريوهات للأزمة في سورية لتضع من جانبها وجهة التدخل الإسرائيلي في كل سيناريو، اثنان من هذه السيناريوهات لا يتطلبان تدخلاً إسرائيلياً، أما الثالث فاعتبرت أنه سيفجر المنطقة برمتها، فالسيناريو الأول تتصور فيه استمرار الوضع القائم وتصعيده والمزيد من الفارين واستمرار الحرب المضرجة بالدماء وفي هذا السيناريو إسرائيل تواصل متابعة الأمور وتقف جانباً وكذلك السيناريو الثاني هو تفكك حكم الأسد وسيطرة المعارضة على معاقل القوة بما في ذلك مخزونا السلاح الاستراتيجي وأسلحة الدمار الشامل وهذا الوضع أيضا إسرائيل لا تتدخل.

أما السيناريو الثالث وهو المقلق جدا وله ثلاثة مستويات .. الأول وإمكانيته المتدنية جداً هو توجيه قسم من هذا السلاح نحو إسرائيل أما المستوى الثاني فيتمثل بسيطرة عناصر الجهاد العالمي الذين ازداد نشاطهم مؤخراً في سورية بشكل كبير على هذه المحزونات، أما المستوى الثالث الذي سيشعل المنطقة هو تسلل السلاح الاستراتيجي والبيولوجي والكيماوي من سوريا لحزب الله في لبنان. وفي هذه الخيارات يتعين على إسرائيل أن تتخذ القرار والقرار لن يكون سهلا كما تتناقل الأخبار بالرغم من استنفار الجيش الإسرائيلي وسلاح الطيران وجهوزيته لتنفيذ القرار الصعب جدا في هذه الأيام.

هكذا تتابع إسرائيل الأمور بقلق وصولاً للمستوى الثالث من السيناريو الثالث يقولون إن قافلة شاحنات تجتاز في الليل الحدود بين سورية ولبنان وعليها صواريخ كيماوية من شانها أن تجر إسرائيل إلى هجوم فوراً. الحالة هذه المرة مختلفة تماما وإسرائيل ليست في ذروة هدوء اللحظة التي تجعلها تقرر خياراتها بارتياح أو تقوم بعمل استباقي وقائي كما مرات عديدة، فهي تدرك أيضاً أن لخصومها هذه المرة خيارات وتدرك تماما أن احد خيارات الخصم هو التحرش بإسرائيل وإحراق المنطقة كمحاولة للخروج من أزمة كبيرة وبالتالي الحالة متفجرة وقابلة للاشتعال. من الواضح أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تتابع عن كثب سيل المعلومات مع جميع أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية وعلى رأسها الأميركية، فالأمر هذه المرة يتعلق بصواريخ كيماوية وأسلحة غير تقليدية وهي تدرك أن هناك تحالف حياة وموت بين نظام البعث وحزب الله وإيران وتعرف أن حزب الله يعمل كل ما بوسعه للدفاع عن حزب البعث بسورية فهي خط دفاعه الأمامي وخط إمداده اللوجستي أيضا، وتعرف أن حزب الله يدرك أن سقوط النظام في سورية يعني تجهيز الشبكة والرمح لاصطياده بكل الوسائل وتصفية حساب التاريخ معه فحزب الله لن يقف مكتوف الأيدي وربما يقفز للأمام في محاولة للتخفيف عن الأسد.

عملية بلغاريا التي سارع نتنياهو إلى ربطها بالنظام الإيراني يدرك أنها محاولة لتحشيد دولي أكبر ضد إيران ولكن ما تريد إسرائيل قوله هو اتهام حزب الله والتي لديها شعور بأنه بدأ يستفز إسرائيل محاولاً جرها إلى معركة هو الآن أقوى وهذه المعركة من الممكن أن تزيح الأنظار عن سورية أو تخفف الضغط على النظام وخاصة أن كثيراً من الذين يقاتلون الجيش النظامي السوري هم من أتباع الجهاد العالمي وإذا ما فتحت المعركة مع إسرائيل ويكون للنظام السوري دور فيها قد يوجه أتباع الجهاد سلاحهم للدولة العربية فهم يحلمون بالجهاد ضدها وبالتالي تعاد خلط الأوراق على حساب إسرائيل هذه المرة ولا تعرف نوع السلاح المستخدم وحجم الأعداء، فهي معركة مجهولة تماماً والخيارات غامضة تماماً وهو ما يعكس حقيقة القلق الجدي هذه المرة والذي يجعل إسرائيل في حالة من التشوش وضبابية الرؤية تقرأ وتدرس السيناريوهات وكل سيناريو يستولد عدداً من السيناريوهات والمستويات وكل مستوى يستدعي ما يقابله من رد وخطط مختلف تماماً عن الآخر.

الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قال في خطابه الأخير إن الصواريخ التي نزلت على إسرائيل في حرب تموز 2006 كانت من الصناعات العسكرية السورية، وكان من الواضح أن الصواريخ المضادة للدبابات والتي شلت فعالية سلاح المدرعات ساعدت حزب الله على ارتكاب ما عرف حينها بمجزرة الدبابات، هذه الصواريخ لا توجد إلا لدى الدول فهل كانت أيضاً صواريخ ابتاعتها سورية لصالح حزب الله؟ أم أن إيران فعلت ذلك؟ وفي كل الظروف لم يكن بإمكان الحزب أن يواجه الميركافاه المتطورة دون المساعدة السورية سواء كممر للسلاح أو بالدعم المباشر. وقد أكد العميد مناف طلاس المنشق عن الأسد هذا الأسبوع أن الأسد في حرب تموز تجاوز الخط الأحمر في دعم حزب الله ولو كان والده حياً لما فعل ذلك، هذا يعني بالنسبة لإسرائيل أن انتقال السلاح إلى حزب الله هو مغامرة لا يخشاها الأسد وممكنة الوقوع. قبل أشهر كان لتركيا موقف سبق الجميع في استعداء نظام البعث وتراجعت حدة هذا الموقف بعد اجتماع وزير الخارجية مع الرئيس السوري الذي هدد بإحراق عواصم قبل لف الحبل حول رقبته، وبالتالي مع رئيس كهذا وحزب الله الذي "يجلس على الجدار" ومستعد لفعل أي شيء يبدو القلق الإسرائيلي له ما يبرره وإن أرسلت الولايات المتحدة رسائل الاطمئنان بتجهيز قوات خاصة أميركية للاقتحام السريع والسيطرة على مخزونات السلاح الاستراتيجي لكن هذا لا يلغي الاستنفار الإسرائيلي عسكرياً ومخابراتياً..!