رحلة التغلب على الإرهاب

كما هو الحال لدى السلطة الفلسطينية وحماس تفرق إسرائيل بين قطاع غزة والضفة الغربية
كوبي ميخال واودي ديكل
شهدت الاشهر الاخيرة زيادة في اعداد العمليات الإرهابية في الضفة الغربية، وفي عدد إحباط محاولات اخرى. واطلع رئيس جهاز الشاباك الاسبوع الماضي لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست، انه من العام 2012 تم سنويا تسجيل زيادة بنسبة 50 بالمئة في العمليات الإرهابية الشعبية (683 عملية خلال العام 2012 مقابل 1834 عملية مقابل العام 2014)، فيما حدثت القفزة الملموسة جدا خلال عملية «الجرف الصامد». بالاضافة إلى انه في العام 2014 تم إحباط 130 عملية لخلايا إرهابيــة (معظمها ينتمي لحماس)، بينما في العام 2015 (لغاية يوليو) تم إحباط 60 عملية إرهابية.
معظم العمليات، التي لم يتم إحباطها، من الممكن تسميتها كـ «إرهاب شعبي». والتي قام بها منفذون منفردون بطرق متنوعة (إطلاق نار، زجاجات حارقة، محاولات دهس وطعن) في مناطق جغرافية مختلفة. هذه البيانات تستند إلى التقدير، ان الإرهاب البنيوي والمنظم يتم إحباطه في معظم الحالات. ومن ناحية اخرى، فإن حادثتي إطلاق النار التي وقعت مؤخرا في منطقة رام الله تبدو عمليات منظمة، تم القيام بها من قبل خلية إرهابية، على ما يبدو تابعة لحماس.
العدد الاكبر من العمليات المنفردة يشير إلى وجود دافع للقيام بالعملية، وتم القيام بها من قبل اشخاص، لا علاقة لهم بأي تنظيم او كمجموعة متطرفة منتظمة. هذا الدافع يدمج ما بين الجو العام السائد، ورؤية الحافز الشخصي. العمل الإرهابي، عندما يتم الحديث عن معدلات كبرى واجراءاتها لا نراها، ولا يمكنه ان يفسر على انه عمل يائس او احباط لافراد، بل كظاهرة اجتماعية ـ سياسية، تتسع بغطاء اجتماعي شرعي واسع، حيث يحظى المنفذون بالمكافأة الشخصية ـ الرمزية. هذا بالاضافة إلى المكافأة المادية /المالية، والذي تصل لهم مباشرة او لابناء عائلاتهم. على الرغم من ان الجمهور الفلسيطيني في الضفة مهتم تحديدا في السعي إلى المكسب الاقتصادي، الا انه متشائم نسبيا في كل ما يتعلق بمشاركة فاعلة في اعمال الإرهاب، في المظاهرات او اعمال الشغب، ويتحفظ من مواجهة ممكنة مع إسرائيل. ولكن لا يمكننا ان نستنتج من ذلك، ان نفس هذا الجمهور لا يدعم العمليات، وبالتأكيد فهو لا يتحفظ منها بشكل جارف وواسع.
الامر يدفعنا لان نفكر، ان شهر رمضان هو عنصر محفز لموجة العمليات الاخيرة، فيما يشبه العمليات التي تم تسجيلها في الفترة المقابلة من العام الماضي. شهر رمضان، الذي يشعر به معظم المسلمين بالتقرب من القنوات الدينية، من شأنه بالتأكيد ان تبين كعامل محفز. حيث ينساق الكثيرون منهم خلاله بصورة مكثفة بشكل خاص إلى استجابة للخطب دينية، والتي من بينها تحريض واضح ضد إسرائيل، إلى جانب تشجيع الاوساط باسم الدين وايضا بإسم الوطن. بالاضافة، إلى انه من الممكن ان نفسر الظاهرة بتأثير الاحداث الدائرة في العالم العربي وبالافكار المتطرفة في المنطقة، التي يتم نشرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت. لذلك ينضم كذلك التحريض الممنهج بوسائل الإعلام الفلسطينية وفي الخطاب العام، التي تتم بمعظمها بتجاهل من جانب السلطة الفلسطينيىة، ولكن احيانا تتم ايضا من قبل مسؤوليها، كل ذلك يشكل ارضية من الاجواء والتهيئة النفسية، التي تبث اجواء من المعارضة الوطنية والدينية وتشجع القيام بالعمليات.
من المهم الاشارة، إلى ان العمليات تتم على الرغم من الجهود والتصميم من قبل الاجهزة الامنية في السلطة الفلسطينية، لمنع موجة الإرهاب في الضفة الغربية ولتفكيك الخلايا الإرهابية وتنظيماتها، خاصة حماس. كما انه من المهم لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ان يثبت، انه يسيطر على المناطق التي تقع تحت سلطته وانه مصمم على محاربة الإرهاب: عباس قال بوضوح، ان الإرهاب لا يخدم المصالح الفلسطينية ويمس بصورة السلطة وبصورته هو شخصيا كشريك في العملية السلمية، التي تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية. ولكن، السلطة تقوم «بدور مزدوج» ـ فإلى جانب الجهود التي تبذلها لاحباط الخلايا الإرهابية لحماس والحفاظ على استمرار التعاون الامني مع إسرائيل، فإن السلطة تعمل بقوة ضد إسرائيل على الساحة الدولية، «اللعبة المزدوجة» للسلطة تم التعبير عنها ايضا في مساعيها لاحباط التفاهمات بين حماس وإسرائيل حول موضوع إعمار قطاع غزة، وفي منع تحويل الاموال إلى القطاع من خلال المس بالاحتياجات الحيوية للسكان الغزيين. اعمال إسرائيل في قطاع غزة ينظر اليها من قبل السلطة الفلسطينية وكذلك من قبل الجمهور الفلسطيني كمحاولة لإضعاف السلطة الفلسطينية والرئيس عباس. هذا التفسير للتصرفات الإسرائيلية يعزز في اوساط الجمهور الفلسطيني الشعور بأن، العنف يجلب انجازات فعلية في محاربة إسرائيل، وعليه فهي تعزز المعسكر الفلسطيني المتطرف، الذي يلتحق به اولئك الذين يئسوا من ان تحدث السلطة الفلسطينية تغييرا فعليا في اوضاع السكان.
وحماس من جانبها، فهي ايضا تلعب «اللعبة المزدوجة»، فهي تظهر قدرة للتصرف بناء على منطقين في العمل مختلفين وحتى متناقضين، من خلال التمييز بين ساحة غزة، وساحة الضفة. فعلى ساحة غزة تعمل حماس على كبح التنظيمات السلفية وتحاول تحقيق تفاهمات مع إسرائيل بغرض تحريك عملية إعمار قطاع غزة.
ولاجل ذلك فإن حماس على استعداد لان تتعهد بوقف نار طويل الامد. وفي المقابل، فإن حماس تستغل ما يبدو كفرصة استراتيجية، في إطار الحرب على الهيمنة على الساحة الفلسطينية، ولاحراج عباس، ولاضعاف السلطة ولتسريع تفككها لكي ترثها، حماس حريصة على تعزيز صورتها كتنظيم «مقاومة» يقود راية النضال العنيف ضد إسرائيل، ومن اجل تضييق التوتر بين سلوكها في قطاع غزة وصورة النضال العنيف، فهي تشجع الاعمال الإرهابية في الضفة الغربية وتعمل على توسيع وتعزيز الخلايا الإرهابية في المنطقة.
في هذا الاطار، فإن حماس تدفع ليس فقط بإتجاه الاعمال الفردية بل ايضا الإرهاب الذي يتم من قبل خلايا منظمة، والموجه من قبل قيادة التنظيم في اسطنبول بتركيا. وفقا لتقديرات جزء من المختصين، وبنظرة على المدى البعيد، فانه ليس بمقدور اجهزة الامن التابعة للسلطة الفلسطينية منع الفوضى، التي من الممكن ان تنشب إذا سفرت الزيادة في موجة الاعمال الإرهابية عن نتيجة ـ خاصة بعد تسلل افكار تنظيمات متطرفة إلى الضفة – وخصوصا في وقف سيطرة حماس على المنطقة، بدون حضور ونشاط الامني الإسرائيلي السائد في المنطقة.
مؤخرا تسعى إسرائيل إلى تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية وتحسين نمط حياة السكان الفلسطينيين. فقد زادت إسرائيل وبصورة ملموسة من اعداد تصاريح العمل في داخلها (حوالي 100 الف عامل يعملون في إسرائيل بموجب تصاريح)، كما قلصت عدد الحواجز في مناطق الضفة الغربية، وسمحت لحافلات فلسطينية بتقل العمال إلى داخل إسرائيل، وحسنت من البنى التحتية للمعابر وترتيبات العبور بصورة تقلل بشكل ملموس من ساعات الانتظار، كما سمحت بتسهيلات فعلية على دخول السكان إلى الحرم القدسي. ومع ذلك، فإن نشوب انتفاضتين دلل، ان التحسين على الواقع الاقتصادي ليس هو بالضرورة العنصر الذي يمنع التصعيد والعنف.
في هذه المرحلة لا يدور الحديث عن انتفاضة، ولكن الزيادة في العمليات تدلل مرة اخرى ان التسهيلات لا تضمن هدوءا امنيا. درس اضافي، يستند إلى تجربة الماضي، وهو، ان تشديد القبضة على السكان الفلسطينيين والمس بمعيشتهم ونمط حياة الكثيرين، الذين لا يشاركون في الاعمال، لا يؤدي إلى تحسين الواقع الامني، بل هي ايضا تحرض الرأي العام العالمي على إسرائيل. مغزى هذا الحديث هو، ان إسرائيل توجد في فخ في كل ما يتعلق بصندوق الادوات الذي تستخدمه بهدف تهدئة الساحة والحفاظ على الوضع القائم، وحسب رأينا فعلى إسرائيل ان تمتنع من اتخاذ خطوات «استثنائية» بإلغاء التسهيلات، التي اتخذتها مؤخرا. او فرض تقييدات على حرية الحركة للسكان الفلسطينيين، حتى ولو تم تبرير ذلك من قبل الجهات الامنية الإسرائيلية كضرورة امنية، فسوف ينظر اليها كعقاب جماعي وكرد غير محسوب.
كما هو الحال لدى السلطة الفلسطينية وحماس فإن إسرائيل تقوم ب «اللعبة المزدوجة» في سياستها التفريقية بين قطاع غزة وبين الضفة الغربية. في حين تحاول إسرائيل بالنسبة لقطاع غزة ان تحرز تقدما في جهود إعادة الاعمار مقابل هدنة طويلة الامد، ومن اجل ذلك هي على استعداد لوضع اسس لتفاهمات مع حماس عبر الحوار غير المباشر، وفي الضفة، فهي تعمل ضد خلايا حماس وبقوة وتصميم كبيرين. إسرائيل متهمة ايضا بممارسة «اللعبة المزدوجة» اذ انها تتحدث عن ضرورة تجديد العملية السلمية، وفي المقابل تقيم وقائع على الارض عن طريق الاستمرار في سياسة بناء المستوطنات. هناك من يدعي، ان تحريك العملية السلمية سوف يؤدي إلى خلق تصعيد في العمليات الإرهابية، ولكن يجب انت نذكر، انه في الماضي، وتحديدا فإن تجدد العملية السلمية حال دون العناصر المتطرفة وممارسة العنف، من اجل احباط هذه الجهود. فالعملية السلمية ليست بالضرورة هي عامل تهدئة.
اللعبة المزدوجة هي اداة يستخدمها اللاعبون على الساحة الفلسطينية، والتي تسمح بتليين المواقف بين البراغماتية والايديولوجيا. ومع ذلك هناك احتمال في فقدان السيطرة على الوضع. من اجل تقليص التهديد، يوصى بأن تنتهج إسرائيل سياسة مختلطة: امام السلطة، عليها الامتناع عن إلغاء التسهيلات على حياة السكان اليومية، في الضفة الغربية وتعزيز التنسيق الامني مع السلطة الفلسطينية. وفي المقابل عليها العمل بتصميم على الساحة الدولية ضد السلطة الفلسطينية، وكشف وجهها الحقيقي، مع التأكيد على سياستها التي تخرب الجهود لاعادة اعمار قطاع غزة، والتحريض على العنف والإرهاب. وامام حماس، على إسرائيل ان تمتنع من التعامل مع «اللعبة المزدوجة» لحماس بين قطاع غزة والضفة. وعليها التعامل مع حماس كرزمة واحدة ـ الحكم عليها في غزة هو كالحكم عليها في الضفة ـ ومنعها من تأسيس قواعد لعبة مريحة لها. وعلى إسرائيل ان توضح للتنظيم، انها لن تحقق معه اي تفاهمات تسمح بإعمار القطاع في الوقت الذي يسعى فيه إلى نقل ساحة الإرهاب الاساسية إلى الضفة الغربية او إلى منطقة سيناء.
نظرة عليا