غزة إلى أين ؟

لم تبدأ معاناة قطاع غزة مع وصول حركة حماس للحكم بعد فوزها بالانتخابات البرلمانية عام 2006، ولكن بعد عملية الوهم المتبدد التي نفذتها مجموعات مقاومة في حزيران عام 2007 والتي أسرت من خلالها الجندي الأسرائيلي جلعاد شاليت، والذي كان أسره سببا في "أسر" سكان القطاع الذي فرضت عليه إسرائيل حصارا محكما من البر والبحر والجو طبعا، ومنعت عنه المواد الغذائية والمعادن ومواد التنظيف بحجة انها تدخل في صناعة الصواريخ المحلية، ودفعت باتجاه إغلاق معبر رفح، المنفذ الوحيد لسكان القطاع على العالم الخارجي، وتعطيل العمل باتفاقية 2005 لتشغيل المعبر الذي ظل مغلقا لا يفتح الا للحالات الطارئة، وكل بضعة شهور لعدة أيام فقط حتى حزيران من العام 2010 . ثلاثة اعوام من الإغلاق والحصار شبه التام على قطاع غزة، ورغم اتمام صفقة تبادل الأسرى قبل نحو عام، وعودة شاليت الى بلاده، الا أن علاقة أسرائيل بقطاع غزة بقيت كما هي، ولولا ما حدث في 31 من ايار عام 2010 من تعرض الإسرائيليين بشكل دموي للمتضامنين الأتراك في السفينة مرمرة، لظل معبر رفح مغلقا، منذ ذلك اليوم عاد للعمل يوميا ولكن وفق شروط مقيدة من قبل الجانب المصري .

ظل العمل محدودا بعدد من الساعات يتراوح بين 6_8 ساعات يوميا، اي ان المعبر لا يعمل على مدار الساعة، ثم ظلت أولوية المرور للحالات الخاصة من حملة جوازات السفر الأجنبية والاقامات والتأشيرات والتقارير الطبية، ثم كانت معظم الحالات التي تسافر الى دول اخرى، وتمر مرورا فقط بالاراضي المصرية تتعرض للترحيل، ثم لم يكن يتجاوز عدد المسافرين الـ 500 مسافر يوميا، وهذا يعني انه خلال العام لا يخرج من القطاع الا ما نسبته نحو 10% من عدد سكانه.

حالة الانقسام بررت للإسرائيليين أمام الرأي العام الدولي فرض الحصار على غزة، بحجة انه يقع تحت سيطرة قوة "ارهابية" هي حماس، وصعبت على المصريين فتح معبر رفح، نظرا لأن سلطة حماس إنما هي سلطة غير شرعية، فيما المنفذ يعدّ ممرا دوليا لا بد ان يخضع للاتفاقيات الدولية، ولابد ان تعقد مصر اي اتفاق بشأنه مع سلطة الرئيس ابو مازن على أقل تقدير. حتى الرأي العام الفلسطيني نظر الى ان فك الحصار وفتح المعبر انما له طريق اجباري واحد، وهو انهاء الانقسام، وعودة الوحدة الداخلية، خشية ان يشكل "تحرير" غزة من الوضع السياسي والقانوني الذي هي عليه الضفة الغربية والقدس تكريسا للانقسام . والجميع يذكر أن إسرائيل سعت قبل ان تنفذ انسحابها احادي الجانب من قطاع غزة عام 2005، وبعد ان اعلنت نيتها بذلك من خلال التوجه للأمم المتحدة الى اعتبار انسحابها من القطاع انهاء لاحتلاله، حيث رفض كل الفلسطينيين ذلك، ثم بعد ذلك تواصلت ثقافة التأكيد على الواجب الإنساني الإسرائيلي تجاه غزة وتوفير احتياجاته من الغذاء والمواد الطبية وكل احتياجاته باعتبار انها قوة احتلال حسب اتفاقيات جنيف .

مصير غزة بعد مرور اكثر من خمس سنوات من الانقسام ومن خروجه من تحت عباءة السلطة الشرعية بات سؤالا ملحا جدا، وبات التعامل مع القطاع، خاصة من قبل الجانب المصري أمرا يحتاج الى إجابة، لوضع حد لمعاناة سكانه الذين تجاوز عددهم المليون ونصف المليون، لكن دون إلحاق الضرر بالقضية الوطنية، وإذا كانت الأنفاق تحت الأرض وفرت فيما مضى حلا مؤقتا واحتياليا للحالة المعقدة الراهنة، فإن المتغير السياسي في مصر بعد وصول الإخوان المسلمين لسدة الرئاسة والحكم بات يراوح بين فتح باب التسهيلات الى ابعد مدى، وبين فتح بوابة استراتيجية تغير من مكانة القطاع السياسية. بعد أقل من شهر من تسلم محمد مرسي العياط لمقاليد الرئاسة، بدأت تلك التسهيلات بالظهور، امس، كان قرار السماح لكل الفلسطينيين (هناك عدة آلاف من الممنوعين أمنيا من السفر ) بالسفر الى مصر دون شروط، وهذا يعني اغلاق قاعة الترحيل سيئة الصيت والسمعة، ثم ما هي الا ايام وتصل اموال الإعمار القطرية، وتدب الحياة في غزة .

كذلك هناك تأكيد رئاسي مصري على حل مشكلة الكهرباء والوقود من خلال ربط غزة بشبكة الكهرباء المصرية، وربما يتواصل مسلسل منح التسهيلات، وصولا الى تحويل معبر رفح الى سوق حرة، يبقى القرار الأهم هو السماح للفلسطينيين المرور عبر المطار ومعبر رفح دون تأشيرة او تصريح، وهذا يعني عمليا الغاء اتفاقية معبر رفح لعام 2005 من الجانب المصري، وبالنظر الى ان كل هذه الإجراءات حتى في عهد مبارك لم تكن تقابل برفض اسرائيلي، حيث اسرائيل تشجع دفع غزة باتجاه مصر وبعيدا عنها وعن الضفة الغربية، فان السؤال هنا هو: هل تذهب مصر الإخوانية باجراءاتها الى حد قبول رغبة حماس في غزة اعلان غزة محررة من الاحتلال، وبالتالي الوقوف امام الحالة السياسية وطبيعة هذا الكيان الذي سيكون مستقلا، وعلى هيئة دولة؟.

اوساط حماس رغم انها ومع انغلاق ابواب المصالحة تدفع الأمور بهذا الاتجاه بالتدريج، الا انها تنفي الان الوصول الى هذه النقطة بما يوحي بان حماس ربما كانت تضغط من خلال التلويح بهذا الخيار على ابو مازن ليقبل المصالحة وفق تصورها، اي بما يسمح لها بفرصة الفوز مجددا بالانتخابات البرلمانية ودخول موظفيها السلطة رسميا بما في ذلك السفارات، ومع انه من المفيد جدا وربما كان من الصائب ان تعلن غزة محررة وحتى دولة مستقلة تقود الكفاح الوطني لتحرير الضفة والقدس , الا ان كل ذلك يمكن ان يكون فعلا ايجابيا في حال تم الامر في ظل انهاء الانقسام ومن قبل سلطة شرعية ومعترف بها اقليميا ودوليا اولا وفي ظل وجود اجماع وطني على الخطوة. اما الذهاب على هذا الطريق الخطر، وصولا الى النهاية المحتومة، فلن يصل الا الى تكريس الانقسام والا لإعلان دويلة غزة على حساب مواصلة المطالبة الوطنية والقانونية والكفاحية بتحرير الضفة والقدس، اي ما تبقى من اراض الدولة الفلسطينية المستقلة والتي ما زالت تحتلها إسرائيل!.