بانتظار الجريمة التي ستحدث

سوسيا

قرية سوسيا الجميلة هي بيت ناصر وطفلته الصغيرة وبضعة حمير وكلاب

دافيد شولمان

منذ الصباح الباكر، حيث ما زال الطقس باردا وحتى ظهيرة اليوم حيث السماء تحترق، نحن نعمل على طريق الغبار والحجارة المؤدية إلى بئر العبد. في البداية نجمع الصخور بحجم متوسط من على جانب الطريق والتلة ونرتبها في صفوف، وعندها نجمع الحصى والرمل بالمجارف في داخل الارض ونلقي بها فوق الصخور، وبعد ذلك نغطي كل شيء بالتراب الذي نجلبه بالدلاء من كل مكان، ونكسر الصخور الكبيرة بمطرقة ثقيلة. هذه العملية استغرقتنا ثلاث ساعات ونصف من اجل تسوية 15 متر من الطريق. هذا عمل جيد، قال يئير، ملء الدلاء اللانهائي وحملها إلى أعلى التلة. هذا عمل جيد لفترة رمضان حيث الجميع صيام ويوجد عمل قليل للرعاة وتقريبا لا يوجد عمل زراعي.

الطريق إلى بئر العبد طويلة، ويصعب عبورها بالمركبة، باستثناء الاجزاء التي قمنا باصلاحها. واذا عملنا 200 يوم فسننهي كل الطريق. وحتى ذلك الحين، أقول بتهكم، سينتهي الاحتلال. أما في الوقت الحالي فان بئر العبد موجودة مثل المعجزة، مصدر فخر، لأنه هنا ساعدنا ليس فقط على وقف الطرد وانما ايضا لم نلتزم بالقرار، على الاقل حتى الآن.
في اثناء العمل تحرقني اشعة الشمس. أفكر بسوسيا القريبة. نحن نعرف جيدا أنه قريبا جدا، بين العيد الذي يعقب شهر رمضان وبين جلسة محكمة العدل العليا في 3 آب التي ستناقش الامر، ستهدم دولة اسرائيل عدة منازل في سوسيا، لأنه يوجد لها الآن ما يسمى نافذة فرص، الجرافات قريبة من المكان، الهدم والطرد يهددان منذ سنوات. وقد نجحنا منذ سنوات في تعويق ذلك من خلال حملة توعية وضغط دولي فعال. ولكن الآن، في ظل الحكومة الجديدة، وصلنا إلى نقطة الهدم، لم يتضح بعد عدد المنازل التي ستهدم في الجولة الاولى، وأنا على ثقة أن سوسيا ستبقى، لكن الثمن باهظ وهو الصدمة والأسى للسكان.
الاسرائيليون الذين يعيشون في المستوطنة المسماة ايضا سوسيا، والذين لا يأخذون فقط الارض بل الاسم ايضا، سيفركون أيديهم بسعادة.
لا شك أننا بانتظار حدوث جريمة ـ جريمة ضد الانسانية. جريمة تمر من تحت الاستقامة، جريمة ضد ضمير كل اسرائيلي، بمعرفة أو بدون معرفة، سواء لديه ضمير أم لا.
اليكم كلمات الفيلسوف اليهودي الفرنسي فلاديمير ينكلافيتش حول هذا الموضوع: «الضمير الاخلاقي ليس شيء معين في الرأس مثل اللون الازرق، الافكار المتواصلة أو حب النساء… نحن نكتشف الضمير الحقيقي لنا في اليوم الذي نشعر فيه تجاه اعمال الشرطة، القانونية أو الصدفية، بالاشمئزاز وعدم القدرة على التحمل».
يبدو أن الضمير هو طاقة كامنة يمكن أن تستيقظ إذا كنا محظوظين، وهذا يصبح شيء ملموس، ولكن بالنسبة لي فان الشعور نحو سوسيا يتجاوز شعور الاشمئزاز. ضميري الاخلاقي كما هو، موجود في مسامات الجلد وقدرتي على الحب، إنه يأتي من المكان الذي لم تولد فيه بعد كلمة «اخلاق»، وفقط من هذا المكان المظلم تصل إلى عقلي. لا أعرف شيء عن الاخلاقية، ولكني مثل الجميع أعرف الألم. فيما يتعلق بالعمل المذكور، ليس فقط أن الشرطة تسمح به بل هي تبادر اليه والحكومة تنفذه بتأييد من الجهاز القضائي.
سوسيا ليست مكانا نظريا على خريطة، سوسيا هي بيت ناصر وعائلته، وبما في ذلك طفلته، وأحلام عائلة نواجا الكبيرة التي نعرف الكثير من أبنائها من خلال الزيارات والاحتجاجات والمخيمات الصيفية والاحتفالات وليالي الصحراء. إنها طواحين الهواء التي أقامها نوعام والعاد قبل سنوات، والآبار التي قمنا بتنظيفها من الجداول القديمة. إنها بضعة حمير وكلاب خاصة وصديقة، اشجار زيتون قطفناها مع اصدقائنا، إنها بيت رياح الشتاء وشمس الصيف ورائحة الصخور والاعشاب الخاصة.
لنفرض أن الجنود سيطردون ناصر وزوجته والاولاد من البيت وبما في ذلك الطفلة الصغيرة، ويهدمون البيت بالجرافة. عائلة نواجا ستعيش وستبني بيتها من جديد كما فعلت في الماضي، لكن أنا لن أغفر أبدا.
أنا أفرض أن الدولة تسيء معاملة مواطنيها كشيء روتيني، وفي اسرائيل يسيء الاسرائيليون معاملة الفلسطينيين، منذ خمسة عقود يقوم الاحتلال بتسميمنا ببيروقراطيته المجنونة، وبالمستوطنين المجانين والجنود، وشهوة قضم الاراضي والعنصرية، وسلطة الترهيب التي يفرضها.
كل هذا نعرفه، لكن الامر الجديد هو الحجم الضخم الذي يريدون فعله في سوسيا. وبعد ذلك، من يعرف من التالي؟ من الصعب التفكير بالفظاعة التي يتم التسبب بها للملايين، ولكن ليس من الصعب تصور السوء الذي يتسببون به لعائلة أعرفها وأحبها.
بالنسبة لي أنا بانتظار الجريمة التي ستحدث، بانتظار رؤية الدولة التي تعذب اصدقائي وتطردهم من منازلهم ومن ارض آبائهم، تقلعهم بقوة السلاح وتغطي على الاجحاف بكلمات متعالية حول الاهتمام بمصالحهم ـ وأنا اسأل، ما الذي يستطيع انسان عقلاني فعله، ماذا يجب عليه أن يفعل في هذا المكان والزمان ويجب أن يقوله بالكلمات، لأن الكلمات مهمة ايضا. هل يعرف أحدكم، قرائي الاعزاء، الاجابة.

هآرتس

دافيد شولمان

حرره: 
م.م