بين الأمل والألـم – أزمة جامعة بيرزيت
مفاجئ ولكن المفاجأة لا تصل إلى حدّ الغضب، إذ يعلن الاتحاد الأوروبي عزمه على رفع مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية مع إسرائيل بعد أن داوم الاتحاد على نقد السياسات الإسرائيلية. مصدر المفاجأة، هو أن مثل هذا التوجه، ينطوي على قدر من المكافأة والتشجيع لإسرائيل، ويستوي مع ما تفعله الولايات المتحدة، مع اختلاف الذرائع والأسباب والأهداف. أما لماذا لا تصل المفاجأة إلى حد الغضب من قبل الفلسطينيين والعرب، فلأنهم اعتادوا خيبات الأمل، وأجادوا سياسات رد الفعل، ويتصرفون معظم الوقت "بدافع لا حول ولا قوة إلاّ بالله"، ماذا فعل العرب أول من أمس في الدوحة غير أن يدعموا نظرياً الموقف الفلسطيني، الذي قرر على ما يبدو التوجه في أيلول القادم إلى الأمم المتحدة؟ هكذا ضاعت فلسطين قبل نكبة 1948، وهكذا تضيع الحقوق الفلسطينية والعربية، فيما تتعزز لدى أصحابها القدرية، فلا يجيدون سوى الذرائعية يمنون بها النفس ويصبرون بها جماهيرهم.
الاتحاد الأوروبي، يقف منذ زمن على مسافة متقدمة من المواقف، والسياسات الأميركية، وهو يتحمل مسؤوليات مباشرة وكبيرة في دعم السلطة، لكنه فشل كل الوقت في أن يعزز ويصعد دوره السياسي في العملية السلمية، واصطدم برفض إسرائيلي، مدعوم برفض أميركي شكل كل الوقت سقفاً هابطاً لتأثير المواقف والسياسات الأوروبية. والاتحاد الأوروبي، لم يتوقف عن توجيه الانتقادات للسياسات الإسرائيلية في ملفات الاستيطان، والقدس، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، وهو لا يتوقف عن إرسال بعثات دبلوماسية وإعلامية لمتابعة الأوضاع عن كثب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، غير أن محصلة تلك التقارير التي ترسلها البعثات والإرساليات، لا تتحول إلى قرارات. الحديث عن رفع مستوى العلاقات الأوروبية الإسرائيلية، يدور حول ستين اتفاقية، أصلها موجود قبل العام 2005، حيث توقف الاتحاد الأوروبي عن تفعيلها لأسباب سياسية ولأسباب تتصل بعدم التزام إسرائيل، وما يتم هذه الأيام هو استعادة تلك الاتفاقيات وتفعيلها مع تحسينات لصالح إسرائيل. مرة أخرى يبدو أن إسرائيل هي التي تطوع الآخرين، وتستعصي على التطويع، فبإمكانها أن تتنعم بالمنح التي تغدقها الولايات المتحدة عليها لأسباب انتخابية، ويغدقها الاتحاد الأوروبي لأسباب أخرى، ودون أن تغير إسرائيل من سياساتها. ولكن لماذا يفعل الاتحاد الأوروبي ما يفعل لصالح إسرائيل؟
استمعت الى أحد المعلّقين الأوروبيين، ويبدو أنه من الشخصيات المتوازنة التي استغربت النبأ الأوروبي، يقول ذلك المعلّق، بأن الاتحاد الأوروبي الذي تعاني دوله من أزمات اقتصادية، لا يستطيع وضع قيود على علاقاته التجارية مع إسرائيل. ربما كان هذا الأمر صحيحاً، ولكن الأمور ليست على هذا النحو، ففي الأصل، لا يختلف الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة، وهو مهما بلغ من تطور مواقفه، فإن يظل يشكل قلب العالم الرأسمالي الذي تنتمي إليه إسرائيل سواء كانت ديمقراطية، أم دولة احتلال وتمييز عنصري. تلقى الدول الأوروبية وسياساتها ومواقفها هوى لدى المواطن الفلسطيني وربما العربي، ولكن لا يمكن لأحد أن ينسى أن أوروبا هي منشأ المشروع الصهيوني، وهي التي مكنت ذلك المشروع من النجاح، قبل أن تتقدمها الولايات المتحدة في حماية ودعم وتطوير ذلك المشروع. أوروبا عجزت عن تصعيد دورها السياسي، من خلال السلبية والانتقاد لإسرائيل، ولذلك فإنها تعود إلى منهج الاسترضاء، فصاحب العلاقة القوية، عدا علاقة الرحم، هو الأقدر على إقناع صاحبه ولو من باب المجاملة، رغم أن باب المصالح يبقى هو الأساس.
أوروبا تريد أن تشتري، أيضاً، من إسرائيل مواقف وسلوكيات مرنة إزاء إيران وملفها، إذ تستعجل إسرائيل تسخين معالم هذا الملف بعكس ما تسعى إليه أوروبا من تهدئة هذه المعالجة والصبر في مواجهة إيران. كلاهما إسرائيل وإيران عرف كيف يبتز الآخرين، ويضعهم في مواقف محرجة. ويبدو أن إصرار إيران على مواقفها، وعدم استجابتها لتمنيات وطلبات الأوروبيين، يسلح إسرائيل بمواقف تزداد تطرفاً، وتلوح بإمكانية بل بضرورة الاستعجال في توجيه ضربة عسكرية لإيران. أوروبا التي ترى بأن توتير مناخ الشرق الأوسط، وإشعال نيران الحرب مع إيران، لا يتفق واستراتيجياتها ومصالحها، مضطرة لأن تنضم إلى الولايات المتحدة، لإقناع إسرائيل بالتروي، دفعت الولايات المتحدة ثمن ذلك، والآن على الاتحاد الأوروبي أن يدفع الثمن، وقد لا تكتفي إسرائيل بالثمن الذي يقدمه الاتحاد وهو رفع مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية. في الواقع ثمة أسباب أخرى لمثل هذا التطور، عفواً التخلّف في الموقف الأوروبي من بين أهمها، ضعف المواقف والسياسات الفلسطينية والعربية، وعدم قدرتها على التأثير في السياسات الدولية والمصالح الخاصة بمنطقتنا العربية. لماذا يمكن الاعتقاد بأن العالم سيهتم بقضية الشعب الفلسطيني وحقوقه فيما الوضع العربي مضطرب جداً، والفلسطينيون منقسمون، ضعفاء، يمتنعون عن أن يفعلوا ما يجعل العالم ينتبه لوجود أزمة وتهديد للسلام والأمن والمصالح؟ يبقى سؤال واحد برسم الشهرين القادمين، والسؤال هو، هل اتخذ الاتحاد الأوروبي مثل هذا الموقف في مثل هذا الوقت قبل أيلول لتبرير مواقف يتخذها في الأمم المتحدة لصالح الملف الفلسطيني الذي قررت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التقدم به مجدداً في أيلول القادم؟