"حماس": قاطع طريق الشرعية والديمقراطية!

دون وجه حق، وبشكل يدعو الى المفارقة، ردت حركة حماس على قرار السلطة اجراء انتخابات محلية في الضفة الغربية، دون قطاع غزة، وذلك لعدة أسباب، في مقدمتها أن حماس اعتادت القيام بدور الاعتراض على قرارات ومواقف السلطة، أيا تكن، وانها ومنذ دخلت بقوة على صناعة القرار السياسي وهي لا تقوم بأكثر من دور قاطع الطريق على السياسة الوطنية. الناطق باسم حماس أعلن بأن اجراء السلطة للانتخابات المحلية في الضفة يعني بأنها ستكون انتخابات داخلية لحركة فتح، يا سلام! ولم لا تجري حماس او لا تسمح بإجراء الانتخابات في غزة، ام ان الديمقراطية والانتخابات ايا كان شكلها ولونها وطبيعتها هي "رجس" من عمل الشيطان؟

ربما يكون ما رد به المتحدث باسم فتح، على ما صرح به المتحدث باسم حماس صحيحا بهذا الخصوص، وهو ان حماس لا تجري انتخابات ولا توافق على اجراء انتخابات ما لم تضمن سلفا فوزها بها. اولا وقبل كل شيء لابد من القول بأن مبدأ اجراء الانتخابات _ أية انتخابات _ هو مبدأ ديمقراطي، وحول الديمقراطية امام الفلسطينيين والعرب عهد طويل من الصراع مع قوى إسلامية _ اخوانية وسلفية _ ليست ديمقراطية، حيث حول الديمقراطية وحقوق الإنسان سيدور الصراع الداخلي المرير في كل المنطقة العربية في السنوات المقبلة _ لذا فان أجراءها كلما كان ذلك ممكنا هو امر جيد جدا، وما دامت حماس التي سبق لها وان احدثت أنقساما وطنيا داخليا عام 2007 , تمنع العودة عنه حتى اللحظة , بل ومع تطورات الاحداث الداخلية ووصول الاخوان الى الرئاسة المصرية، فان ملف المصالحة الفلسطينية وانهاء الانقسام بات في حالة موت سريري، وقد سبق لحماس وان منعت لجنة الانتخابات من ممارسة واجبها ومهامها في تحديث جدول الناخبين في غزة، ومن الطبيعي ان تكون حماس ضد كل إجراء ديمقراطي، وهي قوة سطو مسلح على السلطة بالأساس .

سياسة حماس تقوم على ان يبقى الواقع الفلسطيني الداخلي _ منقسما _ الى ما شاء الله، فان لم تضمن ان " يتوحد " تحت سلطتها، فلينقسم، وان لم تضمن، وعلى طريقة الحكام العرب السابقين ان تكون الانتخابات مضمونة لصالحها تماما، فهي لن تجريها، واذا كانت هذه ثقافة الإسلاميين في الحكم، فان المحك هو أي استحقاق انتخابي قادم في بلد عربي ممن وصل الإسلاميون فيه الى سدة الحكم، حيث _ أشك انا شخصيا _ في ان تسمح هذه القوى بإجراء انتخابات تخسرها، او يكون من نتيجتها ان تسلم السلطة او الحكم لغيرها، كما فعل ابو مازن عام 2006، او كما فعل المجلس العسكري المصري قبل نحو شهر.

بالعودة الى قرار اجراء انتخابات محلية، فان من شأن اجراء تلك الانتخابات ان تحدث حراكا شعبيا يعيد اللياقة الى السلطة المحلية، والى تفعيل السلطة الشعبية فيها، والتي يحتاجها الوضع الفلسطيني جدا، ليس لتصحيح الحالة الوطنية العامة وحسب ولكن من اجل مواجهة الاستيطان , وتهيئة الناس لمقاومة شعبية لابد منها لإنهاء الاحتلال. المهم ان اجراء الانتخابات المحلية، وبعد ان استخدمته السلطة عدة مرات كأداة للضغط على حماس للتراجع عن الانقسام، فإن اجراءها ممكن دون ان يعني ذلك تكريس الانقسام. فالانتخابات المحلية حتى لو جرت على مستوى الضفة الغربية دون غزة، فبسبب من طبيعتها لن تعني اقامة نظام سياسي بنتيجتها خاص بالضفة، فالانتخابات المحلية هي غير الانتخابات التشريعية، والتي حتى وان جرت وفق نظام الدوائر، فإنها لابد ان تجري وفق نظام انتخابي موحد وفي نفس الوقت وان ينتج عنها سلطة تشريعية واحدة حتى تؤكد وحدة الوطن والشعب، اما الانتخابات المحلية فليس لها هذه الصفة، بل بمكن ان تجري انتخابات بلدية في جنين وحدها او في غزة فقط، دون ان يعني ذلك ان جنين او غزة صارت خارج دائرة وحدة الوطن الفلسطيني .

لكن واضح ان اجراء انتخابات في الضفة دون غزة يحرج سلطة حماس، لأن من شأن ذلك الإشارة الى ان المصالحة قد صارت وراء ظهر الجميع وان السلطة قد ملت، بل ويئست من مراوغات حماس على هذا الصعيد، كذلك "ديمقراطية في الضفة" تكشف عمق الدكتاتورية في غزة. في غزة "حماس" وضعت يدها على البلديات، وأهمها بلدية غزة دون اجراء انتخابات ولن تجري انتخابات حرة وعامة وديمقراطية، وفعلت الشيء ذاته تجاه النقابات والاتحادات الشعبية، وآخرها نقابة الصيادلة، وهي تعيد تشكيل المجتمع الفلسطيني في غزة بشكل تعسفي جدا، فلا يوجد تعدد من اي نوع او شكل او مستوى .

وفي الحقيقة ستظل "حماس "تتبع هذه السياسة الى ان تسقط السلطة بالكامل، ومن ثم تتقدم هي لإقامة سلطتها الكاملة ولو كان ذلك على ركام، وهي في الوقت الذي تفعل كل ما من شأنه ان يجعل من قطاع غزة "كيانا" سياسيا مستقلا عن السلطة المركزية وعن الضفة وعن كل فلسطين، كيانا يكون بديلا، ليس فقط للأحلام الوطنية، بل وللواقع الوطني القائم بكل تعقيداته، فانها لا تفكر مطلقا بمشاركة مليون ونصف المليون مواطن في ادارة شؤون القطاع، وهي كأي حزب شمولي تظن ان ممارسة اي شكل من الديمقراطية يفتح عليها ابواب جهنم، وان انتخابات محلية اليوم ستفتح بالضرورة على انتخابات نيابية غدا، حتى لو في ظل الانقسام، حيث يمكن القبول بنظام فدرالي مثلا، وكل هذا يعني أن تخرج السلطة التي سيطرت عليها "حماس" بالقوة، وفي سبيلها اقترفت الأخطاء والخطايا، من بين يديها في نهاية الأمر، لذا فلا بد ان ترفع "حماس" شعار: أية انتخابات تجري في فلسطين على جثتي.