الأزمة السورية: فقدان السيطرة!

دخلت الأزمة السورية، مراحلها الأخيرة، بعد أن سيطرت قوات من الجيش السوري الحر، على جغرافيا واسعة من مدينتي دمشق وحلب، ما افقد السلطة السياسية في سورية، التحكم المركزي بشؤون البلاد، زد على ذلك تمكن قوات من الجيش السوري الحر السيطرة على المعابر الحدودية بين سورية وتركيا، وبين سورية والعراق. مع غياب السلطة المركزية السورية، برزت انواع من السيطرة المتنوعة في الجغرافيا السورية، وهذا ما جعل بقايا النظام السوري تبذل المزيد من الجهود العنيفة لإعادة السيطرة على جغرافيا سورية كاملة، وهو أمر محال بالمعنى العملي للكلمة. عبر المحاولات الجديدة للنظام في سياق السيطرة لجوؤه لاستخدام سلاح الطيران العسكري، الميغ والسوخوي روسية الصنع، وعدم التورع عن قصف أحياء آمنة في مدينة حلب .. كان النظام في مراحل سابقة، يستخدم المروحيات لقصف أهداف محددة، وملاحقة عناصر من الجيش السوري الحر.. لمساندة سلاح المدفعية والمدرعات في مهامها القتالية. الجديد في الأيام القليلة السابقة، هو لجوء النظام لاستخدام سلاح الجو، وهو أمر خطير، كان النظام يحسب له ألف حساب.

سبق للنظام السوري في العام ١٩٨٢ ان استخدم سلاح الطيران، ضد حي الحاضر في مدينة حماة، وهو حي قديم ضيق الأزقة، تمكن الإخوان المسلمون من السيطرة عليه، فما كان من النظام، إلا أن قصفه الى حد مسحه من الوجود وإيقاع افظع المجازر فيه. الزمن قد تغير، ولم يعد ما حدث في العام ١٩٨٢، قابلاً للتكرار، لاختلاف القوانين الدولية الخاصة، بحماية المدنيين .... يبدو أن الأمر، وصل مع النظام السوري، الى حد اللاعودة، وفقدان بوصلة الحسابات الصحيحة. ما يحدث في حلب، من شأنه رفع سوية العنف، الذي استخدمه النظام في العام والنصف الفائت، ما جعل الجيش السوري، منهكا، ومستفزا، الى اقصى درجة. علينا ان نتوقع انشقاقات نوعية واسعة داخل صفوف الجيش، من شأنها تغيير قواعد اللعبة برمتها، كانشقاق فرق كاملة او شخصيات مرموقة داخل جهاز الحكم ذاته، على نمط ما حدث مع العميد مناف طلاس. وعلينا الا نستغرب، نوعا من الإجراءات الدولية، خارج نطاق مجلس الامن، تقتضي بمنع سلاح الطيران السوري من التحليق فوق الأجواء السورية ذاتها، او اتخاذ قرارات دولية بشأن الممرات الآمنة.

فيما يتعلق بالمنطقة العازلة بين تركيا وسورية، باتت هذه المنطقة قائمة عمليا، كواقع حقيقي لا يحتاج الى إعلان. الآن، ومع سيطرة قوات الجيش السوري الحر، على المعابر مع تركيا ومع وجود قوات من الجيش الحر على الحدود التركية، إضافة لعشرات الآلاف من النازحين السوريين. تحققت المنطقة العازلة ولم تعد الحدود قائمة، ولا ضرورة لفتحها او إغلاقها.. صحيح ان تركيا أعلنت عن إغلاقها، لكن وجود المنطقة العازلة، اسقط أهمية هذه المعابر والحدود.. الحدود التركية - السورية تم استخدامها منذ بدء الأزمة، ومع السيطرة الحقيقية للجيش السوري الحر على المعابر، تحققت المنطقة العازلة على نحو واقعي وحقيقي. الأيام القادمة حبلى بتطورات دراماتيكية، من انشقاقات واسعة، وتدخلات سياسية ودبلوماسية دولية، ومن إجراءات ميدانية تقتضيها مصالح الدول المجاورة لسورية.