تقمص شخصية المراهق في "رسائل إلى شهرزاد

رسائل إلى شهرزاد

بقلم: فراس حج محمد

لا شك في أن وضع مجموعة نصوص متمائلة الطرح في كتاب واحد يعدّ مسألة إشكالية، فليس من المستساغ أن يتوقف القارئ عند مجموعة كبيرة من النصوص تستخدم لغة تكاد تكون واحدة، وتطرح موضوعا واحدا، وفي كتاب يتجاوز (225) صفحة، كما أن شكل تقديمها كان يتماثل شكل وموضوع مناجاة المرأة الحبيبة، وكثيرٌ من النصوص وجدناها تحمل مشاعر الفتى المراهق الذي يربط كيانه بحب تلك المرأة، وبدونها لن تكون هناك حياة، مثل هذا الطرح بالإضافة إلى اللغة والألفاظ التي تكاد تكون متشابهة، جعل من الكتاب ككل مملاً بعض الشيء، ومرهقاً للمتلقي.

فتقمص مشاعر المراهق كانت تستحوذ على العديد من النصوص؛ فمثلا عندما كتب الراوي "متى أجدك بقربي يا شهرزاد واقعا مشخصا بهيا كاملا أتأملك بأحاسيسي وأفكاري إدراكا محسوسا ملموسا" ص31، فمثل هذه التعابير تلازم المراهق عندما يهيم بخياله، فلا يجد مجالا للفرح أو السعادة إلا بقرب الحبيبة.
فالخيال الجامح يلاحق الراوي في كل لحظة فيقول "لقد بتّ أخشى يا شهرزاد على نفسي وعلى نفسك، بتّ قلقا من أوهامي التي حملتني حيث مخدعك الوثير، أتذكرين كم تمنيناه مخدعا يفيض إحساسا بأنوثتك، فتغمرين به قلبا تلظى في العطش؟" ص32، الأنثى في فترة المراهقة تلاحق الفتى في كل ساعة، فتأخذه الأوهام إلى ما هو بعيد، بحيث لا يستطيع التمييز بين الحقيقة والأوهام، بين الواقع والحلم.

وكتأكيد لهذه المشاعر التي يمرّ بها المراهق نجد الراوي مضطرباً لا يعرف في أي اتجاه يسير، فنجده مرة مسالماً، يتقبل الموت دون مقاومة، في سبيل عدم المس بمشاعر المحبوبة "كل ما بوسعي فعله هو أن أموت قهرا وانتقاما من نفسي". ص215، وبعد هذا التسليم نجده يستخدم الشدة والانتقام إذا لم يحصل على مبتغاه: "فاتقي جنوني إن شعرت بأنني خسرتك للأبد فلن تكون النتيجة إلا دمارا فائضا موزعا في كل ثانية، سأنثر نفسي مقتولا على كل صفحة من صفحات ليلك ونهارك". ص216، فهنا التناقض/الاضطراب في حالة الراوي تعكس ما يمر به من المراهقة.
ونجد أيضا تضخيم الأحداث العادية عند المراهق؛ فنجده يجعل من خلافه مع محبوبته معارك طاحنة لن تهدأ أبد الدهر. فيقول: "أنتظرك هناك حيث تعلمين أين أكون، فلم يبق كثير وقت لأعلن نتائج الجولات التي استمرت طويلا حربا غير معلنة، ولكنها حقيقية". ص216.

على هذه الشاكلة كانت غالبية الرسائل، فهي تصور لنا مشاعر وتخيلات مراهق يكون محباً للأنثى، فيصفها بأجمل الأوصاف ويطري عليها أفضل الكلام، لكنه عندما يتأزم الحال بينهما، نجده أخذ يعاني من أزمة عاطفية تنعكس سلبا على أفكاره وكتاباته، فتأخذه مشاعره إلى اللا منطق، (فيجعل من الحبة قبة)!

هناك تأثرٌ بالقرآن الكريم في هذه النصوص "تعذب النفس بكرة وأصيلا" ص29، "وأسكنها فسيح جناته" ص35، وفي النص "وإذا مرضت فهو يشفين" نجد العديد من التأثرات والاقتباس من القرآن الكريم، كأن الراوي فيها رجل دين؛ فيقول في رسالته تلك: "ويجعل بعد عسر يسرا"، "قل ما يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون" ص196، ويقول أيضا: "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" ص197، و"لسوف يعطيك ربك فترضى" ص198.

أعتقد أن وجود بعض الأبيات الشعرية أطفأ نار النصوص الملتهبة، ومنحها لمسة أدبية ناضجة بعيدا عن المراهقة، فرغم أن البعض من تلك الأبيات يتماثل وحالة المراهق، إلا أنها خففت من حدتها، ونجد هناك تأثرا في العديد من الكتّاب مثل: أحلام مستغانمي، وجبران خليل جبران، وأيضا كانت فيروز حاضرة وبقوة في العديد من النصوص، وكذلك أم كلثوم، حتى أن الراوي حوّر وبدّل في أغنية فيروز "احنا والقمر جيران" عندما قال:
"ما عاد يسليها القمر

كنا إله جيران" ص222.

يقول محمد حلمي الريشة بهذا المعنى: "شهوة الجنس والكتابة متماثلتان، بحيث تدفع بصاحبها بسرعة إلى إفراغ شهوته"، أعتقد أن هذا الأمر ينطبق على هذه المجموعة، بهذا الانطباع وجدت هذه نصوص "رسائل إلى شهرزاد.
أعتقد بأن تسمية العنوان كانت تمثل جزءا من الموضوع، وكان الأجدر أن تسمى رسائل "الفتى شهريار إلى شهرزاد"، بهذا يكون العنوان أقرب إلى موضوع الرسائل حيث إن المرسل هو "الفتى شهريار"، وتتماثل مشاعره مع الفتيان، وقد تكلم بلغتهم.

حرره: 
م.م