لم يبق للكيبوتسات من يكتب عنها

خلافا للقوى التي تقود إسرائيل اليوم فإن سكانها لم يتنازلوا عن أمل السلام
أوري مسغاف
قالوا لي ذات مرة عبارة منسوبة لاسحق رابين تقول إنهم لو اطفأوا الكهرباء في أرجاء إسرائيل ليلة واحدة وأبقوها فقط في الكيبوتسات، فسترى من الطائرة صورة دقيقة لخارطة الدولة. الاقتباس جيد. لا أعرف إذا قيل أصلا، ولا يوجد من نسأله. قُتل رابين منذ وقت، ولم يبق للكيبوتسات من يكتب عنها. وليس مضمونا أنه يوجد ما يُكتب.
الوجه الجماهيري لحركة الكيبوتسات ينعكس في شخصية عضو الكنيست ايتان بروشي، ممثل «معقل الاستيطان» في قائمة المعسكر الصهيوني. حتى الانتخابات الأخيرة كان بروشي مدير عام الحركة؛ بعد عامين في الوظيفة، تقدم. وفي الاونة الأخيرة في اطار خلافات الارنونا، قال عن زميله في القائمة يوسي يونا «انه ليس جزء طبيعيا من حزب العمل» من الصعب رؤية قول اكثر عنصرية وتعالي من هذا. يونا حصل على اصوات أكثر من بروشي في الانتخابات التمهيدية، وبقي خلفه بسبب سياسة التعزيزات القطاعية.
عمليات تمتد لسنوات قلصت الوزن الجماهيري والسياسي للحركة، من عمود سحاب إلى قطاع. صوت المستفيدين يسمع في امور العقارات وحقوق البناء؛ لا يسمع صوتها في الامور الوطنية، والاندفاع المتجدد لاحياء الابناء وتوسيع الجاليات يعكس السعي وراء «مستوى الحياة» والبيت في القرية. الحلم الاشتراكي بقي في الخلف. هذا مؤلم لخريجي الحركة ومن يحافظون على قيمتها التاريخية، لكنه مضحك الادعاء على اعضائها. الكيبوتسات في نهاية المطاف هي العاكس لتفكك حزب العمل، ومعه إسرائيل كلها تحت قبضة الخصخصة الوطنية.
في غياب المتحدثين المناسبين، ولو بمستوى الدقة والتوازن التاريخي، تبقى الكيبوتسات هدفا سهلا ومريحا. كيس لكمات يلبي حاجة الانتقام والسخط لائتلاف واسع. في الاسبوع الماضي انضم اليه القومي المتطرف العربي جمال زحالقة. اليمين الاستيطاني والطائفية الشرقية استقبلاه بأذرع مفتوحة. مثل التهجم في الماضي على الكيبوتسات هذه المرة ايضا كان زحالقة على حق في بعض ما قاله. مثلما في الماضي هذا الخسوف في وضع صورة جزئية في غياب الاطار الصحيح والتغاضي عن روح الوقت المتملصة.
صحيح أنه أقيمت عشرات الكيبوتسات بعد حرب الاستقلال على أنقاض القرى العربية. اغلبيتها أقيمت في ظروف اخرى. هم ورجالهم ساعدوا إسرائيل في الوقوف على رجليها في حدودها القائمة؛ وبدونهم من المشكوك أن تقوم أصلا. قد يكون زحالقة غاضب من ذلك. والسؤال هو هل تفضل جوقته شيئا آخر.
تسويد وتآكل التاريخ يشوه الصورة. السينمائي ران طل سمى فيلمه الوثائقي عن الكيبوتسات «اولاد الشمس». منذ طفولتي في الكيبوتس القريب من كيبوتس طل أنا اذكر الكثير من الشمس. السذاجة والعمى هي امور يفهمها الشخص عن نفسه فيما بعد. كبرنا بدون العرب والمتدينين مع القليل من الشرقيين، نموذج فيه اشكالية من الناحية الاشتراكية.
هذا الفشل الذي لا يستطيع أحد التملص منه لا يبرر تأكيد القتل البشع الذي يتم بحق الحركة. فهي التي تحملت المسؤولية عن اقامة دولة إسرائيل والدفاع عنها. وخلافا للقوى التي تقود إسرائيل اليوم، فان الحركة لم تتنازل عن أمل السلام والمساواة الحقيقية بين مواطنيها.
هآرتس