فيروز في الشوارع!

خلافا للشائعات فإن الطريق من رام الله إلى الخليل لم تكن مليئة بالجنود وبالحواجز
عميره هاس
كانت يده اليسرى تضع الهاتف المحمول على أذنه اليمنى ويده الاخرى تحرك الغيار بسرعة، وتعود إلى المقود. هكذا كان سائق سيارة الفورد الصفراء في الشارع المتلوي في واد النار الفلسطيني شرقي القدس، الذي يصل بين المحميات الهندية في شمال الضفة الغربية جنوبها. بعيدا عن الشوارع الممنوعة للاسياد. في لحظة خروجنا من الازمة في حاجز قلندية سار بسرعة كبيرة: أحد افراد عائلته تم اعتقاله أو مرض ـ كان يصعب فهم أن المحرك يدوي والراديو مُشغل. لكنه أسرع كي يصل إلى الخليل.
تتحدثون عن الشجاعة؟ سافروا في سيارة عمومية فلسطينية في واد النار وسيخفق قلبكم مرتين، مرة بسبب السواقة ومرة بسبب المشهد. ألوان صفراء وتماثيل جيولوجية وقطعان الرعي، قرى كانت موجودة هناك منذ كان آدم وحواء وأراض خضراء بعد الأمطار الاولى.
«أوقف صوت فيروز وأم كلثوم وأسمعنا الاخبار»، قال أحد الشبان الذي تبين أنه شرطي عائد إلى مدينته في اجازة. فأجاب السائق: «كل المحطات تبث الاغاني ماذا يمكنني أن أفعل». ودون انتظار أوامر السائق، قبل الصعود إلى الشارع الذي تسيطر عليه إسرائيل، يقوم جميع الركاب بوضع احزمة الامان. فهم يعرفون أنه في كل مفترق في الشارع في المنطقة ج تكمن لهم الشرطة الإسرائيلية التي تقوم بسرعة بملء خزينة الدولة بواسطة مخالفة السائقين الفلسطينيين. عند الدخول إلى حلحول يتنفس المسافرون الصعداء ويزيلون احزمة الامان.
«الكنيست أصدرت أمرا بمنع حمل السكاكين»، قال السائق عندما كان بانتظار الركاب في المحطة المركزية في رام الله. كان هذا استمرارا لاخبار الراديو حول تسليم جثة لاحدى العائلات، تذكيرا بالوضع الذي نعيشه. بعد ذلك كان من السهل النسيان. حوار بين شابين حول الهواتف المحمولة الجديدة التي يجدر شراءها. الطفل الذي يلبس البدلة يبتلع العالم بعيونه وهو جالس في حضن أمه الراقية التي غطت شعرها بمنديل احمر، وحينما بدأ بالبكاء أرضعته. شاب يتثاءب وفي فمه جسر تقويم الاسنان.
«لا تسافر في طريق حزما لأن الشرطة توجد هناك»، قال أحد المسافرين للسائق اثناء العودة في المساء. السائق استجاب له، وخلافا للشائعات فان الطريق من رام الله إلى الخليل لم تكن مليئة بالجنود وبالحواجز الفجائية. وقبل حاجز الكونتينر في شرق السواحرة قام السائق بتخفيف السرعة كي لا يعتقد حرس الحدود خطأ أنه يسير بسرعة فاراً منهم، وعندها يطلقون النار لأنهم سيشعرون بالخطر على حياتهم. اضافة إلى تخفيف السرعة يسكت كل المسافرين وتتوقف أنفاسهم ويتأهبون وينظرون إلى حرس الحدود الواقفين على جانب الطريق. السيارة العمومية عبرت الحاجز وبعد ذلك يتأهبون وتتوقف أنفاسهم من جديد عند مفترق بيت ساحور قرب شارع ليبرمان حيث يوجد ثلاثة جنود: احدهم ينظر للشارع مع سلاحه، والآخران يجلسان جانبا.
يتوقف السائق في العبيدية ويقوم بشراء القهوة من احد الشباب على جانب الطريق. وتمتليء السيارة برائحة الهال واثناء العودة تتوقف السيارة في محطة للوقود كي يذهب مُسن إلى الحمام. «السكري»، يقول المسافر. «الله يشفيك»، يقول له مسافر. وقد نسوا الجدل الصاخب بينهم طول الطريق من بيت أمر.
أنا المسؤولة عن ذلك الجدل. عندما سمع الشاب، وهو تاجر يسافر كثيرا إلى اسدود، أنني من بنات العم بدأ بمدح اليهود وحكمتهم وقال إن من يرشقون الحجارة هم اغبياء يدمرون فرصة السلام والحياة الجيدة، مدح وشتم ومدح، ولم أعد أقدر على ضبط نفسي وذكرته بالاحتلال. فأجاب وهو مصدوم بأن الاحتلال لا علاقة له بذلك. فتدخل المُسن من المقعد في الوسط وقال بصوت تحول بسرعة إلى صراخ: «حقا؟ لا علاقة له؟». وبدءا في الجدل فيمن هو أكثر سوء وفسادا، سلطة الاحتلال أم السلطة الفلسطينية. ذاك يقول أ والآخر يقول ب إلى حين ضاق المُسن ذرعا فقال للشاب: ليكن ما تريد.
خلافا للتاجر فان وجود «إبنة العم» في السيارة يدفع احد الركاب للحديث عن افعال الإسرائيليين في الخليل. يعتقلون ويدمرون ويغلقون الطرق ويعتدون بالضرب. «كلمة نازيين لا تكفي لوصفهم». الجميع يستمع دون أي كلمة.
في يوم آخر ومساء آخر، من بيت لحم إلى رام الله، وجد محطة راديو تبث الاخبار، هي صوت إسرائيل بالعربية. المذيع يتحدث اثناء مرورنا في بيت ساحور. لا أحد من المسافرين يعقب، فهم يعرفون أنه بعد بضع لحظات ستغني أم كلثوم.
هآرتس
عميره هاس