هدم المنازل في غزة..ما بين القانون والإنسانية!

هدم المنازل

سناء كمال

(خاص) زمن برس، فلسطين: لم يجد المواطن طه الشريحي (35 عاما) مكانا يأوي فيه أسرته التي فقدت منزلها في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة عام 2014، سوى أرض حكومية تقع غرب الحي النمساوي في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، فأقام عليها منزلاً جدرانه من صفيح وأرضيته من الرمال وبعض الحجارة التي استصلحها من بقايا منزله المهدم، ظانا أنها الأكثر أمانا له خاصة وأنها حكومية فهي الأولى بحماية عائلته من التشرد بعد أن ضاقت به سبل الحياة.

أسرة طه التي تتكون من خمسة أفراد لم تكن الوحيدة التي اتخذت من الأرض الحكومية ملاذا لها بل انضمت إليها أسر اخوته وأقارب له فعاشوا في الأرض ما يقارب العام ونصف، على الرغم من الظروف الحياتية الصعبة سواء كانت في فصل الشتاء ذات البرد القارص، أو الصيف الحارق ويزداد حرقة مع ألواح الصفيح، "إلا أنها أفضل من التشرد في الشوارع والإيجارات الباهظة التي لا أستطيع أن أدفعها، وما أجنيه بالكاد يكفي إطعام أسرتي التي تعاني الأمرين"، حسب ما يقول طه لزمن برس.

ويضيف الشريحي:" حتى هذه الخربة التي نعيش فيها لم نهنأ بها، بعد أن أنذرتنا سلطة الأراضي عن الشرطة بضرورة إخلاء الأرض على اعتبار أنها حكومية ولا يحق لنا البقاء فيها، ونعتبر من المتعدين على الأرض الحكومية"، منوها إلى أنهم لم يتوقعوا أبدا أن تقوم حكومة حماس بطردهم في الشارع وهدم  الصفيح على رؤوسهم، في ساعات المساء حتى لا تهتم بهم الصحافة وتحول قضيتهم لرأي عام، قد تساعد في بقائهم في الأرض لحين إيجاد مأوى يساعدهم على العيش فيه بكرامة.

وكانت الشرطة التابعة لحركة حماس بغزة، قد هدمت ستة بيوت من الصفيح في المنطقة الغربية  من الحي النمساوي غرب خانيونس، مما أدى إلى إصابة امرأة، وتعرض رجل مسن لذبحة صدرية بعد هدم منزله الصغير، وهو ما تسبب بإيقاف الهدم مؤقتا، لكنهم استأنفوا الهدم السبت الماضي، وفق ما أكده الشريحي لزمن برس، مستنكرا ما أقدمت عليه بلدية خانيونس بدون إيجاد حلول بديلة لست عائلات بأكملها.

وناشد الشريحي كافة المسؤولين بإيجاد حلول لعائلته ومكان يستطيع أن يأوي فيه الأطفال والنساء والشيوخ، خاصة وأن الوضع الاقتصادي سيء للغاية  ولا يمكنه توفير بديل سواء كان بالإيجار أو حتى بالتملك في ظل الغلاء الفاحش في الأسعار وقلة الحيلة ومحدودية العمل في غزة.

وتعد حادثة هدم المنازل في بعض المناطق في قطاع غزة الثانية خلال أقل من شهر، حيث شهد حي الزيتون جنوب مدينة غزة، هدم عدة منازل تعود لعائلات سكنتها منذ ما يزيد عن ثمانية عقود إبان عام 1922، هذه العائلات عرفتها سلطة الأراضي في غزة بأنهم "سكان منطقة المحلول" وعليهم تسوية أوضاعهم القانونية حتى يتمكنوا من العيش فيها أو مغادرتها.

وتعتبر منطقة المحلول هي أراض متنازع عليها بين الحكومة وسكانها الذين يعيشون فيها تحت بند وضع اليد، حيث أن الحكومة تصر على أن ملكيتها تعود إلى السلطة الحاكمة والسكان يؤكدون أن الأرض تعود ملكيتها لأجدادهم وأنهم ورثوهها عنهم.

وأكد أبو محمد (50 عاما) وهو أحد سكان "منطقة المحلول" جنوب حي الزيتون لزمن برس أن الأرض ليست حكومية ونحن نملك الأوراق الرسمية التي تثبت ملكيتنا لها منذ عام 1922، وتوجهنا بها إلى قادة حماس لكن لم يقف معنا أحد، ويقول :" بنينا منازلنا على مدار سنوات من شقانا وتعبنا وورثنا الأرض عن أجداد أجدادنا".

وأوضح أن شرطة الحكومة المقالة هدمت منازلهم بشكل فجائي دون إنذارهم مسبقا بضرورة إخلائها، وهو  ما أفقدهم مقتنيات المنازل بشكل كامل، حتى ملابسهم وأغراضهم الشخصية فقدوها تحت الركام،  قائلا:" لم يتركوا لنا شيئا كما ترون الهدم هو أشبه بالقصف الإسرائيلي ليس بوسعنا شيء سوى التوجه إلى الله فهو حسبنا ونعم الوكيل".

ويستطرد :" بعد 85 عاما وهي ملكنا ولدنا فيها وعشنا فيها وزوجنا أبنائنا فيها واليوم تأتي حكومة حماس بكل بساطة وتقول بأنها حكومية على أي أساس يعلنون ذلك".

رئيس سلطة الأراضي إبراهيم رضوان أصر على أن الأرض حكومية وليست ملك المواطنين، موضحا أن تم إجراء تسوية بين الحكومة والمواطنين مفادها أن يبقى السكان فيها للعيش دون إجراء أية تغييرات فيها، كالبناء عليها لحين إيجاد بدائل أخرى تمكنهم من التسوية النهائية بين الطرفين.

" المواطنين هم من خالفوا الاتفاق وبناء عليه هم المسؤولون عما آلت إليه الأمور، خاصة وأننا حذرناهم عدة مرات بضرورة عدم الاستمرار في المخالفة" يقول رضوان لزمن برس، منوها إلى أن الحكومة لن تقوم  بتعويض السكان عن أية خسائر هم كانوا سببا بها نتيجة لاستهتارهم بالقانون على حد قوله.

وحسب سلطة الأراضي فإنها تنفذ عملية التسوية و المعالجة مع واضع اليد الأساسي و الرئيسي أي صاحب المكان الذي يملك عقدا منذ عام  48 وليس مع المشتري الجديد "صاحب الملكية" و ذلك وفقا للنظام المعمول به لدى سلطة الأراضي إذ قررت الأخيرة عدم الاعتراف بأية بيوعات جديدة و في بعض الأحيان تتم التسوية بنقل الملكية من مكان لآخر".

وبالعودة إلى رضوان فهو حمل المواطنين مسؤولية ما جرى معهم نتيجة لتعدياتهم ومخالفتهم للاتفاق، مستدركا قوله بأنهم سيشرعون في سلطة الأراضي إلى تسوية مع الأهالي في أسرع وقت ممكن دون تعويضهم عن خسارتهم في البناء فهي خطأهم وعليهم أن يتحملوا نتيجته على حد قوله.

ويجدر الإشارة إلى أن حكومة حماس عملت على إزالة عددا لا بأس به من "منازل التعديات" بدأته عام 2012 في إطار تطوير شارع الرشيد "شارع البحر" الشريط الساحلي لقطاع غزة، وهو ما أثار أزمة بين الحكومة وسكان المنازل التي هُدمت لاحقا، بعد تسوية بين الحكومة  وبين السكان.

كما أنها بصدد هدم منازل أخرى على الشريط الساحلي وصولا إلى جنوب القطاع وأبلغت عددا من الأهالي بهدم المنازل مقابل تعويضات مادية  وأراض ضمن مشروع التعويض عن خسائرهم، وفق ما أكدته مصادر في سلطة الأراضي فضلت عدم الكشف عن اسمها، أن ذلك يأتي في إطار مشروع تطوير شارع الرشيد بعد توفر التمويل اللازم لذلك.

حرره: 
م.م