موالون أم اعداء؟

نتنياهو

صحف عبرية

العشرون الف يهودي ممن تبقوا في بولندا الشيوعية عشية حرب الايام الستة شعروا بخوف عميق على مصير دولة إسرائيل، مثل باقي يهود العالم. ومع نبأ انتصار إسرائيل، غمرتهم موجة من الفرح، بعضها علني. وفي نفس الوقت، فان بولندا الرسمي، التي كانت خاضعة للاتحاد السوفييتي شرعت بهجمة شجب حادة ضد إسرائيل، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع القدس.

في 19 حزيران 1967 القى الامين العام للحزب الحاكم في بولندا، فلدسلاف غومولكا، خطابا علنيا امام نشطاء الاتحادات المهنية التابعة للحزب. وبث الخطاب في كل محطات الاذاعة والتلفزيون. قال ان «موقفنا هو أن لكل مواطن بولندي يمكن أن يكون له وطن واحد فقط… معظم اليهود من مواطني بولندا يخدمون بولاء دولتنا، ولكن هناك دوائر قومية يهودية صفقوا للعدوان الإسرائيلي على الدول العربية. لا يمكننا ان نبقى غير مبالين بالنسبة لهم… كل مواطن في بولندا الشعبية يتمتع بحقوق متساوية، ولكن عليه أن يتحمل ايضا كل الواجبات تجاه الدولة… (وعليه) فلن نجعل الامر صعبا عليهم ولن نقف في وجه ابناء القومية اليهودية في بولندا ممن يريدون الهجرة إلى إسرائيل. نحن غير مستعدين لان يكون في دولتنا طابور خامس».
صحيح ان عبارة «طابور خامس» شطبت من الصيغة المطبوعة للخطاب ـ بضغط رئيس حكومة بولندا ـ إلا انه اعطى الاشارة إلى حملة التطهير اللاسامية واسعة النطاق. وقد تسرعت الحملة في ربيع 1968، بعد مظاهرات الطلاب ضد الرقابة العسكرية.
ونسبت السلطات تنظيم المظاهرات إلى حفنة من اليهود بقوا في بولندا. في خطاب مناهض لليهود آخر، في اذار 1968، دعاهم غومولكا إلى مغادرة بولندا فورا. وشرح قائلا: «يوجد في بلادنا صنف من اليهود مواطني بولندا يرتبطون بمشاعرهم وعقولهم ليس مع بولندا بل مع دولة اخرى. افترض أن هذا الصنف من اليهود سيغادر بلادنا. نحن مستعدون لان نصدر لهم جوازات للهجرة».
وهم بالفعل غادروا أو دفعوا إلى المغادرة. في نهاية 68 لم يتبقَ يهود تقريبا في بولندا. خطاب «الطابور الخامس» لغومولكا حقق هدفه. ولاحقا أصبح الخطاب عارا على الشيوعية البولندية الرسمية ورمزا للشر فيها.
في منتهى السبت قبل اسبوع وقف رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو في موقع القتل في شار ديزنغوف في تل أبيب والقى خطابا اعده مسبقا. ولسماع اقواله ما كان يمكن للمرء إلا يتذكر خطابات غومولكا اياها. ومثلما دعا رئيس الحزب البولندي الحاكم في حينه اليهود بان يختاروا بين الولاء للدولة الشيعية وبين انتمائهم للشعب اليهودي، هكذا دعا الآن رئيس وزراء إسرائيل المواطنين العرب لأن يختاروا بين ولائهم لدولة إسرائيل وبين انتمائهم للشعب الفلسطيني. والا، كما أوضح، فسنتعامل معهم كأعداء للدولة داخل الدولة، كطابور خامس.
لقد ميز نهج «العدو في الداخل» تحذير نتنياهو في يوم الانتخابات للكنيست من «العرب الذين يتدفقون بجموعهم إلى صناديق الاقتراع». وانطوى هذا على فكرة أن برأي رئيس الوزراء معثدل التصويت العالي للجمهور العربي في الانتخابات هو في واقع الامر جريمة ضد دولة إسرائيل.
معقول الافتراض بان نتنياهو لم يكن على علم بالخطابات القديمة للشيوعي القومي غومولكا. ولا يفترض أن يكون.
فحرمان الحق في الهوية الذاتية المنفصلة كجماعة اقلية هو امر تتشارك فيه كل الايديولوجيات الاستبدادية، سواء كان اساسها قومي، ديني أو طبقي. ومع فارق المكان والظروف، فان انذار غومولكا ليهود بولندا وانذار نتنياهو لعرب إسرائيل مشابه جدا: إما أن توافقوا على التخلي عن هوياتكم الخاصة أو تحزموا امتعتكم.
يهود بولندا قاموا وذهبوا، قبل كل شيء إلى إسرائيل. فإلى اين سيذهب عرب إسرائيل؟

يديعوت 

 

حرره: 
م.م