الأسير محمد القيق.. وطفلان ينتظران انتصارا

ديالا الريماوي

(خاص) زمن برس، فلسطين: تجلس الطفلة لور (عام ونصف) بجانب صورة والدها الأسير الصحفي محمد القيق، تمسكها بأناملها الصغيرة وتقربها من فمها لتطبع قبلة تركت آثارها على زجاج الصورة لا على خدّه، وتقول له دون أن يكون قادرا على سماع كلماتها غير الواضحة "بحبك يا بابا".

أما طفله إسلام البالغ من العمر ثلاثة سنوات ونصف، فلا يكف عن طرح اسئلة كثيرة لا يجد إجابات لمعظمها "وين بابا؟ امتى بده يرجع؟ ليش الجيش أخدوه وكسروا الباب؟ تساؤلات تحاول والدته فيحاء شلش أن تجيبه عليها بطريقة يستطيع أن يفهمها :"الجيش مش شاطرين، بابا مش مطول ورح يرجعلنا".

اعتقال وتهديدات

في الواحد والعشرين من شهر تشرين الثاني العام الماضي، اقتحمت قوة من جيش الاحتلال منزل الصحفي محمد القيق (33 عاما) بمدينة رام الله، عاثت الفساد في محتويات المنزل، واعتقلوا القيق.

تم تحويل القيق إلى مركز تحقيق "الجلمة" وبقي فيه مدة 25 يوما، وجّه له الاحتلال تهمة "التحريض الإعلامي على العنف" وحاول أن يجبره  على الاعتراف كوسيلة ليتم من خلالها توجيه لائحة اتهام ضده في المحكمة، لكن محمد رفض واعتبر أن اعترافه إدانة لعمله الصحفي.

قوة وصمود محمد، أجبرت المحققين اتباع أساليب قاسية معه في التحقيق لعلّها تجبره على الاعتراف، فقاموا بتعذيبه نفسيا وجسديا كالشبح وهو مقيد اليدين والقدمين طيلة فترة التحقيق والتي كانت تمتد لسبع ساعات، إضافة إلى تعصييب عينيه، وحرمانه من النوم، وتهديده بالإعتداء الجنسي، وحرمانه من أطفاله، وتحويله إلى الاعتقال الإداري لسبع سنوات.

معركة الأمعاء الخاوية

تلك الأساليب لم تضعف محمد، بل على العكس كانت دافعا له لخوض إضراب مفتوح عن الطعام، فبعد أربعة أيام فقط من اعتقاله قرر أن يخوض تلك المعركة، رفضا لاعتقاله، وقساوة التحقيق، ومنعه من رؤية محاميه مدة عشرون يوما من تاريخ اعتقاله.

بعد ذلك تم عرض محمد على محكمة الاحتلال، وأعطتها النيابة الإسرائيلية مدة خمسة أيام حتى تقرر مصيره، لتصدر بعد إنتهاء المدة قرارها باعتقاله إداريا ستة أشهر، تم تثبيتها بعد عشرة أيام.

عائلة محمد علمت بعد 11 يوما من إضرابه عن الطعام، بالمعركة التي يخوضها وذلك عن طريق محامي نادي الأسير، الذي حضر المحاكمة لكنه منع من رؤية محمد، وخلالها قال محمد للقاضي الإسرائيلي إنه مضرب عن الطعام، تلك المعلومة التي أخفاها المحققون عن أي جهة رسمية إسرائيلية.

تمضي الدقائق والساعات على عائلة محمد بخوف وترقب لما تحمله من مستجدات بشأن معركته ووضعه الصحي الذي بات في خطر، فمحمد دخل مؤخرا في غيبوبه وتم إنعاشه وإدخاله غرفة العناية المكثفة، وهو ما تخشاه العائلة من أن يدخل في غيبوبة دائمة. 

في إضرابه لليوم 52 دخل محمد في مرحلة خطر، إذ فقد الوعي وقال الأطباء الإسرائيليين في مشفى "العفولة" إنه معرض لجلطة دماغية، فتدخلوا من أجل عدم فقدان حياته، لأن إضراب الأسرى يضع إسرائيل في موقف محرج أمام العالم.

أشرف أبو سنينة، محامي الأسير محمد قال إن ما حدث في ذلك اليوم لم يكن تطبيقا لقانون التغذية القسرية بحق محمد، وإنما قام الأطباء بوضع أنابيب في يده اليمنى تتضمن محاليل غذائية مكونة من سوائل وأملاح.

وأضاف في حديث مع زمن برس أن الأطباء فكوا قيد إحدى يدي محمد قبل يومين، وانتهز الفرصة لينزع عن يده تلك الأنابيب، رافضا أي تدخل طبي مهما بلغت خطورة حالته الصحية.

وأشار إلى أن المخابرات الإسرائيلية عرضت عليه صفقة في يومه الثلاثين من الإضراب، وذلك بأن يتم الإفراج عنه بعد مدة معينة، مؤكدة أن تلك الصفقات ما هي إلا محاولات فاشلة لكسر إضراب الأسير.

في هذا السياق قالت فيحاء شلش، زوجة محمد لـ "زمن برس" إن الصفقة التي تم عرضها عليه كانت أن يتم الأفراج عنه بعد سنة، مقابل فك إضرابه".

وأوضح أنه قدّم للمحكمة العليا الإسرائيلية اليوم الاثنين التماسا للاعتراض على قرار محكمة "عوفر" العسكرية، والذي رفضت الاستئناف المقدم من قبل محاميه، من أجل إلغاء اعتقاله إداريا.

أسير للمرة الرابعة

محمد القيق تخرج من جامعة بيرزيت عام 2007، إذ درس إذاعة وتلفزة، وترأس مجلس طلبة الجامعة عام 2006/ 2007، تميز بنشاطاته النقابية، وخدمة الطالب بالدرجة الأولى، وأكمل دراسات عليا وتخرج من ذات الجامعة بتخصص دراسات عربية معاصرة عام 2013.

اعتقلت قوات الاحتلال محمد ثلاث مرات، ففي عام عام 2003، و2004، و2008 زُج به في سجون الاحتلال بتهمة القيام بنشاطات نقابية بالجامعة، لكن هذه الاعتقال هو الأول الذي يحاكم به إداريا.

وقالت فيحاء :"إن محمد قبل أن يكون مراسلا صحفيا في قناة المجد الإخبارية، هو إنسان بالدرجة الأولى، وحتى خلال عمله كصحفي كان يحرص على إيصال صوت المظلومين في الضفة الغربية للعالم، وأن يبين كيف يعيش الفلسطينيين، وهو ما استغله الاحتلال لإدانة محمد".

وأضافت أن الإضراب عن الطعام يرّسخ إنسانية محمد، وهو يؤكد بذلك أننا شعب يحب أن يتمتع بالحرية، وبالحقوق الممنوحة لكل إنسان في العالم.

فيحاء تعتبر أن العائلة بأجمعها تخوض المعركة مع محمد، فهو يخوض إضرابا عن الطعام، وهم يخوضون معركة إعلامية، وذلك من أجل تسليط الضوء على قضية محمد، معتبرة أن إضرابه هو الذي سيجلب له الحرية.

أن تكون فلسطيني

مهمة أخرى صعبة تقع على عاتق فيحاء، فهي تحاول أن تشرح لطفليها سبب غياب والدهما عن المنزل، وما هو الدور الذي يجب عليهما أن يقوما به معها، فتقول بداخلها:" ربما لو كان إسلام أكبر قليلا لأدرك ماذا يعني الاعتقال الإداري، والإضراب عن الطعام".

عندما يحل الليل ويذهب إسلام للنوم، يفتقد من كان يلاعبه ويحضنه، لكن ذلك الطفل كبر قبل أوانه، وأصبح يشاركهم بالوقفات التضامنية والاعتصامات، وبات يتساءل:" متى سنخرج في مسيرة من أجل بابا".

لكن لور ما زالت تجهل ما يحدث حولها لكن ملامح أبيها ما زالت تحفظها، فقبل بضعة أيام وبينما كانت فيحاء تتواجد مع عائلة محمد في مدينة دورا بالخليل تخفف عنهم الحِمل، شاهدت لور عمها الذي يشبه إلى حد كبير أبيها، فبدأت تنادي وتصرخ "بابا بابا".

فيحاء حالها يشبه حال آلاف الزوجات اللواتي يقبع أزواجهن في سجون الاحتلال، فهي كأم تشعر بالألم والوجع أمام طفليها، فتقول:" كيف سأقول لهما أننا كفلسطينيين غير قادرين على العيش كما تعيش باقي الشعوب، فحياتنا مختلفة".

حرره: 
د.ز
م.م