مركز مساواة يوجه مذكرة تطالب بوقف نشر النيابة العامة بغزة لتقرير الدلالة وصور اعادة تمثيل الجريمة على مواقع التواصل

زمن برس، فلسطين: وجه المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" مذكرة خطية الى كل من السيد إسماعيل جبر/ النائب العام، والمستشار القاضي عبد الرؤوف الحلبي/ رئيس المجلس الاعلى للقضاءمطالباً إياهم كل حسب اختصاصه وصلاحياته اتخاذ المقتضى القانوني الملائم بخصوص مسألة " نشر النيابة العامة لتقرير الدلالة أو إعادة تمثيل ارتكابها على مسرح الجريمة للجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي" لما ينطوي عليه هذا الإجراء من مخالفات جسيمة لحكم القوانين السارية وما يرتّبه من مساس في سمعة الشعب الفلسطيني ما يؤثر سلباً بدوره على التضامن الدولي الذي يحتاجه شعبنا وبخاصة في غزة لرفع الحصار والمعاناة عنه، وجاء فيها:
رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء في غزة
القاضي عبد الرؤوف الحلبي ,,, المحترم
الموضوع : نشر النيابة العامة لتقرير الدلالة أو إعادة تمثيل ارتكابها على مسرح الجريمة للجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي
فوجئنا في المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" شأننا شأن الأسرة القانونية بقيام النيابة العامة بنشر أعمال التحقيق الابتدائي للجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالذات نشرها لتقرير الدلالة أو تقرير إعادة تمثيل ارتكابها على مسرح الجريمة، والتي تندرج الجريمة موضوعها تحت مظلة الجنايات.
إننا إذ نستهجن ونستغرب قيام النيابة العامة، وهي الخصم الشريف وجهة الاختصاص في تحريك الدعوى الجزائية ومباشرتها وتمثيل المجتمع أمام القضاء، في إطار يلتزم بضمانات المحاكمة العادلة، ومبادئ العدالة الجنائية، ويتسم بالبحث المهني المجرد عن الحقيقة، دون أن تتحول النيابة العامة إلى سلطة حكم وتقرير بالإدانة، يسلب القضاء إختصاصه، ويحول النيابة من سلطة تحقيق وإحالة للدعوى إلى المحكمة المختصة، إلى سلطة تحقيق وإحالة بقصد الإدانة، وليس بقصد البحث عن الحقيقة، والتطبيق السليم للقانون، بما يشكله ذلك من غصب لصلاحيات القضاء، وتجاوز لاختصاصات وصلاحيات النيابة العامة، وانحراف وخروج عن دورها الحقيقي كخصم شريف في الدعوى، ملزم بالبحث عن المرتكب الحقيقي للجرم، ولا يتردد في الطلب من المحكمة المختصة إعلان براءة المتهم الذي أحالته هي إلى المحكمة، إذا لم تتوافر بحقه أدلة كافية بذاتها لإدانته.
إننا في المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة"، وبصفتنا هيئة رقابة أهلية مستقلة مهنية، نرى بأن ما قامت به النيابة العامة مع كل الاحترام، ينطوي على مخالفات جسيمة لحكم القانون، ولمبادئ حقوق الإنسان، ويمثل خروجاً عن المبادئ الدستورية الواردة في القانون الأساسي، وضمانات المحاكمة العادلة الواردة في الاتفاقيات الدولية، وقانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 الساري المفعول، والذي وإن أناط بالنيابة العامة سلطة تحريك الدعوى الجزائية ومباشرتها أمام القضاء، إلا أنه ألزمها بحماية حقوق الإنسان، بما فيها حق الدفاع، وضمانات المحاكمة العادلة، والحقوق الأساسية للمتهم، وقيّدها بالالتزام بمبدأ الخصم الشريف الباحث عن الحقيقة، والذي يستهدف تطبيق القانون والعدالة وإظهار الحقيقة ليس إلا،وألزمها بالبعد عن اتخاذ أي إجراء من شأنه الحكم المسبق على المتهم، وعليها وفق صريح نص المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائية التقيد بإبقاء إجراءات التحقيق أو النتائج التي تُسفر عنها من الأسرار، والتي لا يجوز إفشاءها، بل ويعتبر إفشاؤها جريمة يعاقب عليها القانون، وتوجب التعويض للمتضرر.
كما أن ما قامت به النيابة العامة مع الإحترام، يشكل خروجاً وإنحرافاً عن طرق التصرف في الدعوى بعد إنتهاء النيابة العامة من إجراءات التحقيق السرية، وذلك على خلاف ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 152 من قانون الإجراءات الجزائية، إضافة إلى المادة 598 من التعليمات القضائية الصادرة عن عطوفتكم، والناظمة لكيفية التصرف في التحقيق الإبتدائي.
وكذلك فإن ما قامت به النيابة العامة مع الإحترام، يُشكل مساً بحقٍ وضمانة دستورية نص عليها القانون الأساسي في المادة 14 منه، والتي نصت بوضوح لا يقبل التفسير أو التأويل أو الجدل على أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تُكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وكل متهم في جناية يجب أن يكون له محام يدافع عنه"، وما قامت به النيابة يشكل قلباً لقاعدة قانونية وحق دستوري إذ تعاملت بهذا الإجراء، وكأن المتهم مدان سلفاً، وقبل أن تقول المحكمة المختصة كلمتها الفصل بشأن التهم المسندة إليه، ناهيك عن مصادرتها وإغتصابها وإعتدائها على سلطات وصلاحيات المحكمة في ذلك، بأن جعلت من نفسها خصماً وحكماً في آن، ما من شأنه أن يمس بمبدأ الفصل بين السلطات، وهو العمود الفقري لدولة القانون والعدالة.
كما تجاوزت النيابة العامة بما قامت به من نشر لتقرير الدلالة أحكام المادة 92 من قانون الإجراءات الجزائية، التي حصرت حق الإطلاع على محاضر التحقيق بالخصوم ووكلائهم والمدعي بالحق المدني حال الانتهاء منها، بل وربطت هذا الحق
الممنوح حصراً للخصوم ووكلائهم وللمدعي بالحق المدني فقط ودون سواهم، بالحصول على إذن مسبق من النيابة العامة بذلك، الأمر الذي يؤكد بأن الجمهور ليس من حقه الإطلاع على إجراءات التحقيق ومحاضره، وينشأ حق الجمهور في الإطلاع على إجراءات المحاكمة وليس التحقيق، إعمالاً بمبدأ علنية المحاكمة، والذي لا يُعمل به على إطلاقه إذا ما وجدت المحكمة أن ثمة داعٍ يوجب إجراء المحاكمة سراً، عملاً بأحكام المادة 115 من القانون المذكور.
إلى جانب أن ما قامت به النيابة العامة يمثل مساً بكرامة وإنسانية وسمعة المتهم وذويه، وهي حق دستوري كفله القانون الأساسي، والاتفاقيات والمواثيق الدولية، ومبادئ المحاكمة العادلة والعدالة الجنائية، على اعتبار أن نشر التقرير للجمهور بالصوت والصورة من شأنه أن يعرض المتهم للتشهير به وبأفراد عائلته، والتعامل معه على أساس أنه مجرم ومدان قبل أن يصدر حكماً نهائياً وباتاً من المحكمة المختصة بحقه، الأمر الذي يجعل من إنتهاك السرية بمثابة إنتهاك لحق دستوري وإنساني، يُلحق أفدح الأضرار بالمتهم وأسرته و ذويه، لا يُزيلها حكم البراءة لاحقاً.
وكذلك الحال فإن ما قامت به النيابة العامة ينتهك قواعد النظام العام، وحكم القانون على اعتبار أن قانون الإجراءات الجزائية قانوناً مكملاً للدستور، ومتعلقاً بالنظامالعام، وأي مساس به يقع باطلاً ومنعمدا،ً وموضع مسائلة وتعويض.
وكذلك الأمر فإن ما قامت به النيابة العامة يتعارض بوضوح مع ما نصت المواد 214 و 215 من قانون الإجراءات الجزائية، والتي تُخضع الاعتراف الصادر عن المتهم لدى النيابة العامة أو جهات التحقيق لتقدير المحكمة، شأنه في ذلك شأن أي دليل آخر، ونشر تقرير الدلالة للجمهور، بما يحمله من إيحاء بأنه اعتراف كافٍ للإدانة، وقاطع على إرتكاب المتهم للتهمة المسندة إليه، من خلال خلق رأي عام ضاغط على المحكمة، يمثل تدخلاً سافراً في استقلال القضاء، وتأثيراً على الحق المطلق للمحكمة في تقدير قيمة أدلة الإثبات بما فيها الاعتراف.
لكل الأسباب التي بيناها أعلاه، فإننا في المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" نطلب من عطوفتكم إجراء التحقيق الإداري بشأن ما تم نشره، وإحالة منفذيه للمسائلة الإدارية، وإصدار التعليمات واضحة الدلالة والإلزام، بتوقف النيابة العامة فوراً عن القيام بمثل هذه الأفعال، إلى جانب ضمان التعويض المعنوي والمادي العادل للمتهم المتخدة الأفعال المذكورة بحقه.
مع الإحترام،
تحريراً في: 1\6\2016 "مساواة"
رئيس مجلس الإدارة
المحامي ياسر جبر
- نسخة إلى:النائب العام في غزة