مهرجان الغالية والماسي

بقلم: 

كعادته السنوية يشرق  لنا مهرجان فلسطين الدولي الذي ينظمه مركز الفن الشعبي بكل ما هو جديد مختلف مع منظور ورؤية محددة متجددة، وكوني أحد المؤمنين بأهمية مثل هذه المهرجانات والحراك الثقافي بكل مكوناته، أستطيع القول من خلال المتابعة الدائمة المكثفة بكل قوة: أن هذا المهرجان شكّل بناء تراكميا في العديد من أطياف اللوحة الثقافية على الصعيد المحلي والدولي بكليته الإبداعية والإنتاجية والتنظيرية، التي ساهمت في بلورة التجارب المختلفة للفرق المحلية وبناء تجارب كل حسب إختصاصه: الإعلامي، الأمني، المسرح، التقني، التصوير، المتطوعون، إدارة الحدث، الإستضافات الدولية لكبرى الفرق والفنانين العرب والأجانب، حتى الجمهور راكم خبرات مختلفة....
ومن زاوية أخرى لا تقل أهمية عما سبق، اقتحم المهرجان هذا العام فضاء فلسطينيا جديا، ومثل هذا التوسع الجغرافي_غزة، جنين، الخليل_ يساعد في توسع آفاق الثقافة وفتح شاشة أمام العديد من أبناء شعبنا المتعطشين للتواصل مع الثقافات المختلفة أو/و الإحتكاك الفلسطيني الفلسطيني الذي سيولد خبرات في بناء الشخصية الفردية او المجتمعية.  
استطاع المهرجان هذا العام طرح أشكال الفنون التقليدية وغير التقليدية، ما عكس ذلك في نوعية الحضور من حيث العمر والتذوق الفني، فهناك من كان يتفاعل مع الفرق التي تدمج التراث بموسيقى الراب أو الإلكترونية ودخول اللغة الأجنبية الإنجليزية أو الفرنسية مثلاً، وتحويل الإيقاعات السريعة لبطيئة أو العكس كلياً، مما أدى الى دخول عناصر جديدة للتراث؛ خير مثال على ذلك فرقة 47SOUL، فرقة طرباند. ويولد هنا السؤال التالي: ما هو مقدار قدرة اعادة ولادة الأعمال الفنية القديمة بطابعها العولمي وما بعد الحداثة في ظل الأدوات الموسيقية التي يتشبك بها الغربي مع الشرقي مكونة مزيج من الثقافات في أغنية واحدة؟؟
ثورة التجدد في الغناء مع شعور متعة الطرب استشعرته مع الفنانة التونسية غالية بن علي، التي إستطاعت أن تتمرد على الآلة الموسيقية والكلمة المكونة للأغنية بإسلوبها الغجري المتمرد على كل شيء، فإستطاعت أن تتميز بأدائها الخاص بإعادة أعمال زمن الفن الجميل التي اشتهرت بتقديمها منها "يا مسافر وحدك، انسى الدنيا، لامونى اللي غارو منى، عرفت الهوى وألف ليلة وليلة"، إلى جانب مختارات من أعمالها الخاصة التي وضعت الحداثة والبناء الكلاسيكي في الغناء، فتمزج أغان شرقية صوفية بالموسيقى الأوروبية  و"الفلامنكو" الأسباني، ومن أغانيها "روميو وليلى"، "كتابي يا سيدى"، هيمتنى وقضيت".
أما النموذج الثاني هو الفنانة الجزائرية سعاد ماسي التي شاركت في ذات المهرجان قبل سنوات، ومازالت تحتفظ بحب جمهورها الفلسطيني المتزايد بشكل واضح؛ ماسي هي أيضاً دمجت التراث بالحاضر؛ مع الأخذ بالحسبان بأنها ليست فقط مغنية وعازفة جيتار وإنما كاتبة أغاني جزائرية ذات أصل قبائلي، مما مكنها أن تنسج التراث الشعبي الجزائري بالفنون الموسيسقية الغربية مثل الروك، والكانتري ميوزك، والفادو البرتغالي والفلامنكو الأسباني؛ مستخدمة اللهجة العاصمية الجزائرية، الأمازيغية، والفرنسية. وأقرب مثال على هذا المزيج الثقافي المحافظ بالتجدد ألبومها الأخير بعنوان "المتكلمون" عام 2015، حيث قدمت فيه نماذج من القصيدة الكلاسيكية العربية القديمة.