التعليم هو الحل

بقلم: 
في هذا العالم المضطرب والعاصف الذي تخنقه الأزمات والصراعات، تسعى الدول جاهدة إلى البحث عن حلول تستطيع من خلالها تجاوز عثراتها والتغلب على مشكلاتها، وهي بالطبع تواجه بتحديات داخلية وخارجية تثقل كاهلها وتجعلها في مكانها ثابتة أو أسيرة الداعمين والمانحين لأجل غير مسمى.

إن المتتبع لحركة الشعوب، ومراحل تطورها وانتقالها من الظلمة إلى النور، يدرك تماماً بأنه ما كان لأمة ٍ يوماً أن ترقى دون التعلّم أداة حاسمة في تحقيق الغايات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية؛          فالأمثلة الداعمة والدامغة على مرّ الأزمنة كثيرة لجميع الحضارات القديمة والحديثة، مما يشير بوضوح إلى العلاقة الطردية بين التعليم من جهة، وبين الرفاهية وأخلاقيات الأمم واستقرارها من جهة أخرى.

ولعله من المفيد التذكر أو التذكير باللقاء التاريخي الذي جمع السفير الياباني مع وزير الخارجية الهندي عام 1950، وكيف كان رد السفير الياباني الذي امتلك البصيرة وقال عبارته الشهيرة بأننا نملك كل شيء "في عقولنا" في غياب الموارد المادية الطبيعية والأخرى التي تباهى فيها الوزير الهندي، وهي ذات الأمثلة الحية في عديدالدول الأوروبية وسنغافورة وكوريا الجنوبية وحتى في الولايات المتحدة التي عندما تعرضت لغزو المنتجات اليابانية في السبعينات والثمانينات وكان الرد الامريكي في التوجه نحو "التعليم للجميع" وليس حصار اليابان أو المقاطعة أو سواها.

إن مشكلات العالم الثالث متنوعة وربما شاملة لكل المكونات المجتمعية، وأن أي حل لا بد إلا وأن يستند إلى التفكير النظمي "system thinking " في وضع الخطط الإستراتيجية العملية والنظر إلى الصورة الكلية للمشكلات وتداخلها وارتباطها داخل النظام أو بين مكونات النظم الفرعية في ذات النظام، فالعلاقة بين القطاعات المختلفة في المجتمع الواحد مرتبطة ومتصلة ولا يمكن تحقيق اختراق في إحداها بمعزل عن الآخر، فالحلول على اختلاف طرقها وطرق التفكير بها، تنطلق أساساً من التعليم، سيما وأن الإسلام – الذي يرفع شعاراً للحل في عديد النظم والأطر –  بدأ بالتعليم وبصيغة الأمر "اقرأ"، وإن النصوص الدينية والسيرة النبوية تعج بالدلائل والوقائع التي تبرز قيمة التعليم وفضله على الناس.

ولكن أي تعليم نريد، وأي نظام تعليمي يمكن له تجاوز العقبات وإيجاد السبل في الوصول إلى الغايات المرجوة ، سيما وأننا نعيش واقعاً مختلفاً عن جميع الدول في هذا العالم. إن الإجابة عن هذه الأسئلة الملحة في ظل القناعة المطلقة بدور التعليم وأهميته في بناء المجتمع وتحقيق التنمية الشاملة يبدو تحدياً واضحاً للوزارة والحكومة على حد سواء، وأن ذلك أيضاً يحتاج إلى ثورة في نظام التعليم، تبدأ من تحرير العقول المتكلسة (نمطية التفكير) وتخطيها والسير بخطىً واثقة نحو الإصلاح والتطوير وتحقيق التوازن والتكامل بين مكونات التعليم "المعارف، المهارات، القيم، والاتجاهات"، والانتقال من حدود التقليد والنمذجة والمحاكاة إلى فضاء التفكير والتميز والإبداع، إذ إننا لا نريد من مدارسنا أن تكون فقط قادرة على إيجاد مخرجات معلبة تمارس أدواراً خطية ميكانيكية ثابتة.

وبنظرة متفحصة للواقع الفلسطيني، نجد أن ما يقوم به الاحتلال وخاصة في المرحلة الأخيرة من هجوم شرس وغير مسبوق على الوزارة وقيادتها وفي أرفع المنابر في الأمم المتحدة وغيرها له أسبابه عند الاحتلال. إن النهج الجديد في الوزارة والذي يهدف إلى بناء الإنسان الفلسطيني "مهنياً ووطنياً" والإجراءات والخطط العملية ذات السياق بما فيها المناهج الجديدة ودمج التعليم المهني والتقني والتكنولوجيا ونظم التقويم الجديدة وغيرها يدفع الاحتلال إلى ارتكاب حماقات وشن حرب ممنهجة على التعليم بعامة والقدس بخاصة.

ومع الإقرار بأن التعليم مسؤولية مجتمعية وأداة ربانية في بناء الشعوب وحضاراتها، فإنه لمن الضروري حشد الإمكانات وجمع الطاقات واستثمار المواد كافة لهذا الغرض، خاصة وأن الإنفاق الحكومي وحده مهما بلغ على التعليم غير كافٍ لتحقيق ما نصبو إليه، إذ لا بد من تأسيس صندوق وطني خاص للتعليم يقدم الدعم والإسناد ويحقق مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم ويعزز التعليم الإبداعي لتكون العوائد في نهاية المطاف عظيمة وشاملة تلقي بظلالها على كافة القطاعات والنظم الفرعية في مجتمعنا الفلسطيني، وعلينا ألا ننسى أن ما ينتجه متعلم في يوم قد لا يستطيع جاهل عليه طيلة حياته. ولا نريد أن يتحول التعليم العالي إلى عبءٍ على المجتمع من خلال التخمة من خريجي التخصص الواحد والندرة في تخصصات أخرى.