الصحافيون في ورطة

بقلم: 

مضحك:

قتل الجيش  ثلاثة شبان  في وقت متأخر من ليلة الاحد، وكانت الصحيفة قد طبعت. وزعت الصحيفة يوم الاثنين فخلت تماما من الخبر، لكن  المحرّر ارتأى أن يكون خبر مقتل الشبان الثلاثة هو العنوان الرئيس على صدر الصفحة الاولى من الصحيفة الموزعة  يوم الثلاثاء، لم يشتري أحد الصحيفة و لم يقرأ أحد الخبر، فاستشاط المحرّر غضبًا وأنا انفجرت ضحكا.

محزن:

استعد المراسل الصحفي الذي يعمل في واحدة من أعرق الفضائيات،  للتوجه إلى مدينة  محاذية تشهد تظاهرات و مصادمات، جهز دفتر ملاحظاته وقلم حبره، و الدرع الواقي من الرصاص، وغادر برفقة مصوره المحترف، الذي يمتلك كاميرا محترفة تلتقط  صورا  فائقة الوضوح، وصل الفريق الى المدينة وباشر في التصوير وعمل اللقاءات و جمع المعلومات، وفي آخر النهار عاد  إلى المكتب الرئيس وبدأ المراسل في الاستعداد لكتابة تقريره  ، لكنه تفاجىء برفض المحطة للتقرير ، فالمعلومات كلها كانت قد وصلت  اولا باول عبر صفحات التواصل الاجتماعي، معلومات  دقيقة من شهود عيان و موثقة بصور مختلفة من زوايا مختلفة و بجودة مقبولة. فاستشاط  المراسل غضبا وانا انفجرت حزنا.

حتى أنتِ يا أمي :

اتصلت أمي معي وقالت لي: هل أنت في مبنى الحكومة، اجبتها بالنفي و سالتها ماذا أفعل هناك ؟؟ قالت: الا تعمل صحفيا ؟؟ قلت بلا  .

قالت لقد استقال رئيس الحكومة قبل قليل، ويقولون إنه بسبب خلاف على الموازنة .

سالتها من قال لك ذلك ؟؟  قالت: مكتوب على الفيس بوك. قلت لها: سوف افحص الأمر الآن، وباشرت بسلسلة من الاتصالات استغرقت نحونصف ساعة  ، ليتبين لي بعدها أن كل ما نقلته أمي كان صحيحا.

الحقيقة المرّة:

الحقيقة التي يجب أن يدركها الصحفي ان نحو700 الف فلسطيني انضموا  مؤخرا إلى مهنة الصحافة، النجار و الخباز و الطبيب و المهندس والعامل، كلهم صحافيون ، يسبقونك في  توثيق الحدث كتابة و صوت وصورة ويسبقونك في بثه ايضا، ولا يهتمون بشعاراتك حول قواعد واصول وأخلاقايات المهنة ، لماذا يهتمون اصلا؟ فوسيلة التوثيق متوفرة، وقناة البث مجانية، بل ان التلفاز المرموق الذي تعمل فيه، يفضل الاستعانة بصورهم قليلة الجودة لانها من قلب الحدث وفي احيان كثيرة هي الوحيدة المتوفرة، ويفضل معلواتهم الغير دقيقة لانها سريعة جدا وتلبي حاجة المشاهد للمعرفة السريعة. وسائل التواصل الاجتماعي قد اسقطت كل قواعد وشروط المهنة، ولم يعد التشبث بالنمط  الكلاسيكي للصحافة مجديا، قلمك الرشيق وصورتك النقية ودقة معلوماتك ، كلها تسقط في اختبار السرعة و السبق الصحفي ، الذي ينجح فيه اي مواطن يحمل في يده هاتفا ذكيا تصادف وجوده في المكان و الزمان المناسب  لحدث ما . 

ما الحلّ؟

هناك حلول قليلة باقية أمام الصحفي لكي يحافظ على وظيفته ، أبرز هذه الحلول هي تسخير الصحفيين الجدد لخدمة " المواطنين "، من خلال جمعهم في قناة واحدة واعطائهم الحق في النشر في هذه القناة مع مراقبة بسيطة لتظيم العملية و ضمان حد ادنى من المصداقية،  مثل قناة " بال بريس " على برنامج "زيلو " وهي واحدة من أنجح التجارب في هذا السياق، تفوقت بكثير على نموذج " نبض " ،الذي جمع وسائل الاعلام في قناة واحدة و ليس "الاعلاميين " .

الحل الآخر هو القصة الصحفية، و التي لا يستطيع المواطن العادي انتاجها، القصّة المبنية على بحث عميق وتصوير متسلسل رشيق ، مع حبكة درامية اخبارية و حس إنساني ، يوفر متعة نظرية و حسية و معايشة للحدث وأصوله و تطوراته، يفتقر لها نموذج أخبار الخباز و الطّحان والعامل والمهندس.