«الإسلام السياسي» بين منطقي الديمقراطية و«صحيح الدين»؟

بقلم: 

• الاستقواء بالمقدّس الديني، في حلّ المسائل الدنيوية، هو تهميش للحجة العقلية وكبح للديمقراطية، ونقيضٌ لها

• لا يمكن أن نؤسّس لأي نظام سياسي يقوم على القبول العام به إلا على أساس القبول بالتعدّدية والتعايش بين الجميع وفق مبدأ الإخاء والمساواة
يُتهم اليسار العلماني في العالم العربي عموماً، بأنه أهمل، أو لم يدرك أهمية العامل الديني ومدى تأثيره وخطورته في المجتمع، ما أدى إلى تقصيره في استيعاب الإشكاليات والقضايا التي انبثقت عن علاقة الدين بالدولة والمجتمع. كما أدى ذلك إلى افتقار هذا اليسار إلى «نخبة» مطلّعة و عارفة، على نحو جيد، بالدين الإسلامي وفقهه الذي يؤسس لمختلف أفكار ومواقف التيارات الإسلامية.

كما يلاحظ البعض أن تأثيرَ الموروث التاريخي الديني في ثقافتنا السياسية الراهنة لا يقتصر على المتديّنين أو «الإسلاميين» فحسب، وإنّما يتجاوزهم إلى غير المتديّنين أيضاً، فهو يؤثّر في ثقافة المجتمع ككلّ. وعلى سبيل المثال، فإنّ الاستبداد في منطقتنا، سواء أكان دينيّاً أم علمانيّاً، يستند إلى هذا الموروث ذاته، ويستخدم أدوات القمع «الحديثة» ذاتها لتثبيت أركان حكمه.

وتأسيساً على ذلك يخلص هؤلاء إلى القول: إذا صحّ أن الثقافة السياسية الهشّة للقواعد الشعبية قابلة للتعبئة ضدّ مبادئ الديمقراطية ومقتضيات بناء الدولة الحديثة، وهذا طبيعي في مجتمعاتٍ لم تتمرّس في العمل الديمقراطي، ولم تتشرّب قيمَه، فإن المسؤولية في ذلك لا تقع على طرف واحد فقط، بل يتقاسمها كلُّ من لم يتورّع عن تعبئة المجتمعات ضدّ تلك القيم والمبادئ، وكلّ من توسّل «التجهيل» والإسفاف والوسائل المنحطّة كأسلحة له ضدّ خصومِه، عوضاً عن تحمّل المسؤولية الوطنية، والتطلع إلى الاسهام في عملية التحوّل الديمقراطي.

لكن، وبعد الإقرار بمسؤولية الآخرين في هذا الشأن، فإن السؤال يبقى قائماً بشأن المسؤولية الواقعة على عاتق «الإسلاميين» في هذا الصدد؛ وخاصة إذا عرفنا أنّ الفكر الإسلامي المعاصر لم يتعاطَ إيجاباً، أو كما ينبغي، مع «الإشكاليات» والقضايا التي طرحها العصر الحديث ومستوى التطور الذي وصلت إليه البشرية، مثل قضية الدولة الوطنية الحديثة، والديمقراطية، والمواطنة؟. وأقلّ ما يقال هنا أنه لم يساهم في تثبيت هذه القضايا، كقيم ومبادئ أساسية راسخة في وعي المواطن العربي أو الإسلامي، وفي سلوكه وممارسته السياسية، هذا إذا لم نقل بأن ما فعله على هذا الصعيد يكاد أن يكون عكس ذلك تماماً؟.

وفي هذا السياق يمكن تسجيل عدد من الملاحظات والأفكار، منها:

• على الرغم من مركزية مفهوم الدولة الإسلامية (أو الخلافة) في خطاب الحركات الإسلامية عموماً، إلا أنّنا لا نجد بحوثاً حقيقية في مفهوم هذه الدولة وبنيتها وكيفية تطبيقها، لا على مستوى تجارب الحكم الإسلامي تاريخياً، ولا على مستوى التجارب الراهنة لأنظمة حكم تعتبر نفسها إسلامية، على الرغم من التباين الشديد فيما بينها، وهو ما أوقع «الإسلاميّين» في مأزق كيفية التعامل مع هذا الواقع وطريقة تحقيق الدولة الإسلامية المنشودة، التي ظلّت مرتبطةً بمفاهيم وشعارات مثل الحاكمية وتطبيق الشريعة، المتعارضة جوهرياً مع بنية الدولة الحديثة!.

وفي الواقع، فإن مصطلح الدولة وفق المفهوم الإسلامي التاريخي، يتعارض على نحو شبه كلي مع مفهوم الدولة/ الأمة، الحديثة والمعاصرة بتعقيداتها ومرجعياتها، وحمولاتها من التطور التاريخي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي كجزء من جدل ظهور الدولة القومية وارتباطها بالتطور الرأسمالي، تبعاً لما حصل في الواقع الأوروبي.

• ليست الديمقراطية «صندوق اقتراع»  فحسب، بل هي خيار استراتيجي، فكري وثقافي، يعلي من قيمة الفرد والعقل، ويفسح في المجال أمام المواطنين لممارسة حقّهم في التعبير عن أنفسهم، والاختيار الحر لمصائرهم وممثليهم، عبر مؤسسات محدّدة شكلت لأجل هذا الغرض، في إطار نظام حكم يقوم على هذه المبادئ. وعليه، لا يمكن ادعاء الديمقراطية من قبل  حزب ما يدخل اللعبة الديمقراطية، لكن برنامجه يعادي مبادئ وأسس هذه الديموقراطية، (كأن يُقيّم الآخرين ويتعامل معهم تبعاً لولائهم لمذهب أو دين من الأديان)، أو يمكن أن يسيء استخدامها لإرساء نظام حكم معادٍ لها.

• الإيمان مسألة شخصية، وموقف فردي بين الإنسان وخالقه. وبصفتها كذلك فهي لا تخضع لإلزام خارجي. وبالتوازي مع هذا يفرض منطق الديمقراطية وتوافر الحريات العامة والخاصة، الإقرار بحرية العقيدة وحرية الممارسة الدينية أو عدمها، أي حرية اللاتديّن. فالأمر يتصل هنا بحرية الضمير التي لا يكون لحرية التعبير معنىً بدونها. إن الاستقواء بالمقدّس الديني، في حلّ المسائل الدنيوية، هو تهميش للحجة العقلية وكبح للديمقراطية، ونقيضٌ لها.

والمشكلة هنا، لا تتمثل فحسب في اعتبار الأسس الدينية مرجعية أخلاقية قابلة للتأسيس لنظام سياسي ما، بل تتمثل أيضاً في حصر تلك الأسس في دين واحد، وغالباً في مذهب واحد أو في تأويل محددّ لهذا الدين، في وقت لا يمكن أن نؤسّس لأي نظام سياسي يقوم على القبول العام به على أساس المعايير الناظمة أو المُحدّدة لدين من الأديان، أو لأية أيديولوجيا من الإيديولوجيات، بل إن هذا النظام لا يقوم إلا على أساس مغاير، ركيزته الأولى القبول بالتعدّدية والتعايش بين الجميع وفق مبدأ الإخاء والمساواة.

• الأخذ بقيم حقوق الإنسان والديمقراطية، ليست مجرد مطالب أو أجندات تطرح هنا أو هناك من قبل هذا الحزب أو ذاك، بل هي حقوق أصيلة، لا تقبل التجزئة أو الانتقائية، جوهرها مساواة البشر، جميع البشر، في الكرامة المتأصّلة فيهم منذ لحظة الولادة، وهي ليست مرتبطة بالانتماء إلى دين أو ثقافة أو لون أو فئة اجتماعية...الخ.

وفي الواقع، يقع على عاتق الحركة الإسلامية أن تحدّد ماذا تريد؛ هل هدفها هو مواجهة التحدي المتمثل بالخروج من التخلف وتحقيق التنمية البشرية للوطن، أم إعادة إحياء الخلافة الإسلامية وبنائها من جديد؟ حتى لو كان الممرّ لذلك هو فرض الدين، ليس فقط كمرجعية ثقافية، بل كشعائر وطقوس محددّة مطلوب من الجميع الالتزام والتقيد بها. وإلى ذلك، فإن على الحركة الإسلامية أن تحدّد مرجعتيها، هل هي الوطن الذي تتواجد فيه، والدولة التي تعمل في إطارها؟، ويقع عليها بالتالي الإقرار بالتعدد والاختلاف داخل الوطن الواحد والدولة الواحدة. فالديمقراطية كنظام سياسي يرتبط وجودها بوجود الدولة / الأمة، لا بالدعوة أو المرجعية الدينية.

وبكلام آخر، ليست الديمقراطية جسراً للعبور نحو «أسلمة المجتمع الضالّ»، وإعادة بناء دولة الخلافة «تبعاً لما نزعم أنه صحيح الدين». بل إن الولوج داخل «عتبة الديمقراطية» يجيء عبر إدراك ووعي مختلف التمثيلات والإرادات السياسية والاجتماعية والطبقية والفردية، بضرورة الوصول إلى تسويات، يمكن أن تحقّق فيما بينها توازن ما يسمّى بـ«الردع المتبادل». وبغير ذلك يصير السؤال حول قدرة الحركات السياسية ذات المرجعية الدينية على التكيف مع الديمقراطية وحقوق الإنسان في منتهى الجدارة والمشروعية؟!.

وفي هذا الصدد، لا بد من ملاحظة أن مفهوم الديمقراطية نفسه يخضع للتطوير والاغتناء الدائمين. فمن يلقي نظرة على تطور الديمقراطيات المؤسّسة في القرون الماضية، يقف على وصفات غير مكتملة وناقصة مقارنة مع ما نراه اليوم ( مثل المشاركة المشروطة في الاقتراع، حقوق المرأة، حقوق السود في أميركا ...الخ). وبهذا المعنى فإن الديمقراطية مرّت بطريق وأتون العذاب والآلام والكثير من الضحايا قبل الوصول إلى ضرورة التعايش وقبول الاختلاف والتعددية. ومثل هذه الضرورة والآلية، هي التي ساهمت في تشكل وعي الناس بشأن الديمقراطية، وضرورة الوصول إلى تسويات، وتشكيل المؤسسات التي تضمن استمرار وجودهم وحريتهم ومصالحهم.

• إن الحسم بين الإيديولوجيا الدينية من جهة، والديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة أخرى، لا يتم إلا على أساس موازين القوى بين ملايين المنتجين ـ الذين قد يجرّبون وهم كل الإيديولوجيات ـ وبين أصحاب رأس المال ومن يقومون على خدمته، وذلك مهما أعلنت تلك الإيديولوجيا تمسكها بالرموز التراثية والعودة إلى الماضي، الذي هو بمثابة هروب من  مواجهة تحديات الفقر والحداثة والثورة التكنولوجية.

• ومن هذا المنطلق، يخلص الباحثون إلى نسبية الإيديولوجيا، بما فيها الإيديولوجيا الدينية التي يفترض بها أن تعكس «الحقيقة المطلقة» الصالحة لكل زمان ومكان، كمعيار ومحدّد للاختيارات المجتمعية. بل يمكن القول إن الوضع السياسي في كل لحظة من اللحظات  المفصلية في تاريخ المجتمع هو الذي يؤثر في إعادة صياغة الإيديولوجيا نفسها وفق شكل ومحتوى محدّد يتناسب مع هذا الوضع.

أما الإيديولوجيا الدينية التي تقوم على افتراض وجود «شريعة مطلقة» مكتملة، لا تقبل التأويل أو التعديل في أي حال من الأحوال، بحيث يصبح وضع وسنّ القوانين، الذي هو أبسط قواعد الديمقراطية، أمراً شبه مستحيل لأن الله فعل ذلك مرة واحدة وإلى الأبد، فإن مثل هذه الإيديولوجيا لا يمكن أن تقوم إلا على أنقاض وحطام الديمقراطية ومبدأ المواطنة. لنقارن، على سبيل المثال، بين بنود الشريعة التي هي أساس الإسلام السياسي، وبنود الإعلان العالمي بحقوق الإسلام، التي هي أهم وثيقة حقوقية عالمية؟!. فالإيديولوجيا الإسلامية تقوم على التمييز الديني: المسلم وغير المسلم /المسلم والكافر/ المسلم والذمّي/ .. في حين أن المجال الديمقراطي والحقوقي يتسع لكل إيديولوجيا لا تستعمل العنف ولا ترتكز على تمييز عرقي وديني وجنسي.

• مثلما مرّت القوى اليسارية والاشتراكية في اختبار وامتحان قناعاتها الديمقراطية، وعملت من ثم على تعديل وتكييف تلك القناعات، لا بد للإسلام السياسي من المرور بنفس الطريق، وتخطي التجربة ذاتها. فأغلب القوى اليسارية كانت تنظر إلى مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان بوصفها «خدعة برجوازية»، وأن الأصل في هذه القضية هو تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ولو جاء ذلك عبر ممارسة «العنف الثوري» من قبل الطبقات المسحوقة وصولاً إلى بناء «ديكتاتورية البروليتاريا».

وقد تطورت تلك القوى اليسارية، ووصلت إلى تبني مواقف مغايرة لأطروحاتها الأولى بصدد الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي باتت تنظر لها بوصفها حقوقاً إنسانية وكونية شاملة.

• والحال، فإن العلمانية تنطلق من حق المرء في أن تكون له حياته الروحية التي يرتضيها لنفسه، لكنها تعتبر أن ممارسة هذا الحق لا يخوّله أن يرغم الآخرين على اتباعه بالعنف والإكراه. كما أنها تعتبر أن مسألة الإيمان من عدمها، مسألة تدخل في النطاق الخاص للفرد وخياراته، أما الاعتقاد بامتلاك السلوك الأقرب للصواب والخير فإنه لا يعطي الحق لأصحابه إخضاع المجال العمومي لما يعتبرونه صواباً وخيراَ. فالإيمان الحق ينطلق من الاعتراف بفراده التجربة الإيمانية لكل فرد، وبحق الآخرين في خوضها، وبقدرتهم على بلوغ غاياتها عبر تجربتهم الخاصة.

وانطلاقا من ذلك ترفض  العلمانية، اعتبار الدين مرجعية لتنظيم المجال العمومي ومقتضياته، كأن يتم فرض المرجعية الدينية من موقع الحقيقة المطلقة التي لا يعلى عليها، والتي لا رادّ لها.

إن أولى الشروط الواجبة لتحصين السلم الأهلي بين مختلف الأطراف والفرقاء، هو الكفّ فوراً عن ادعاء امتلاك الحقيقة  المطلقة من أي طرف، واعتبار الحقل السياسي مجالاً للمنافسة النزيهة والشريفة بين البرامج المطروحة، والتي هدفها وغايتها هو خدمة مصلحة البلد والمجتمع دون أي غاية أخرى.

التعليم بين «التلقين» وحفز «التفكير النقدي»

إعداد «الملحق»
• المعرفة الحقة هي تلك التي تسهم في تمليكّك «العقل النقدي»، الذي يمكنه التفريق بين الصحيح والزائف من المعلومات، بين الموضوعي والمنحاز منها
يخطئ من يعتقد أنه تقويم الأفكار المتطرفة (التكفيرية)، التي كثيراً ما يصطدم المرء بها، سواء في فقه المرجعيات الدينية التقليدية، أم في مؤلفات منظري الجماعات «الجهادية» التي تروّج للفكر التكفيري، وتسوغ لأصحابها ومريديهم  ممارسة شتى ضروب العنف والأعمال الوحشية، يمكن أن يتمّ فقط عبر توجيه سهام النقد لهذه الأفكار، إنما الأهم من ذلك، في المعركة  الفكرية التي ينبغي خوضها ضد الفكر الإرهابي ومعتنقيه، هو التركيز على المناهج التعليمية، في المحتوى والطرائق التي يتم من خلالها إيصال المعلومة إلى التلاميذ، والتي تعتمد أساساً على الحفظ و التلقين، بعيداً من إعمال العقل والتفكير النقدي.
فمثل هذه المناهج، إن في المدارس الدينية المنتشرة بكثرة، أم في المدارس الحكومية، هي التي ساهمت وتساهم على نحو دائم في بثّ ونشر الأفكار المتشددة والمنحرفة عن المقاصد العليا للدين، ومن ثمّ تعبئة أدمغة الناشئة بمثل هذه الأفكار المتشدّدة.

المعلومات التي يتلقاها التلاميذ في تلك المناهج التي تطفح بقشور الدين، وتبتعد كل البعد عن الفكر التنويري القائم على التسامح، وقيم المساواة والحرية والعدالة، والحفاظ على حق الإنسان، أي إنسان، بالحياة الحرّة الكريمة، ليست هي «المعرفة» المنشودة، فهي غالباً ما تطرح فيضاً من المعلومات، التي قد تكون صحيحة وقد تكون زائفة، وقد تتوافر على قدر من الموضوعية، وقد تكون منحازة سلفاً.

أما المعرفة الحقة فهي تلك التي تسهم في تمليكّك «العقل النقدي»، الذي يمكنه التفريق بين الصحيح والزائف من المعلومات، بين الموضوعي والمنحاز منها. وما أحوجنا اليوم إلى هذا العقل النقدي، في ظل ثورة المعلومات التي تتدفق علينا من كل حدب وصوب، عبر الفضائيات وشبكات الإنترنت ومواقع التواصل... الخ.
وما نلاحظه اليوم، أن قطاعات واسعة من الجمهور يمكن أن تقع فريسة وسائل دعائية متعددة، قد يدفع بعضها للالتحاق بصفوف هذه المجموعة الدينية أو تلك. وقد يبدأ الأمر في سبيل «الدعوة» أولاً، لكنه سرعان ما يتحول إلى «الجهاد» في سبيل الله، ثمّ ينزلق إلى القيام بأعمال إرهابية منظمة ضد أية دولة ومؤسساتها، أو حتى ضد المواطنين العاديين.

التفكير النقدي يساعد في تمليك القدرة على المحاكمة الصحيحة، وتقييم الحجج التي يطرحها الأفراد أو الجماعات خلال الترويج لأفكارها أو برامجها، وما قد تنطوي عليه من مغالطات تجافي الواقع والعلم وحتى الحسّ الفطري السليم.

وغير بعيد عن ذلك، تندرج مسألة التعاطي مع الكثير من الخزعبلات والأفكار السطحية السخيفة التي يتمّ نشرها وبثها عبر المحطات الفضائية، أو تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي. مثل التوقعات والتنبؤات التي يطلقها «العرّافون» و«المتخصصون» في «علم» الفلك والأبراج، والتي تلقى رواجاً واسعاً حتى في صفوف المتعلمين وخريجي الجامعات، وخصوصاً عند انتهاء السنة ومطلع العام الجديد. وكذلك مثل بعض الأدعية التي يرسلها البعض إلى أصدقائه على مواقع التواصل ويطلب منهم إرسال كل منها إلى عشرة آخرين، وإلا فإن «السماء» ستلاحقه باللعنات والمصائب، وكأن آلهة السماء لا عمل لها سوى متابعة مواقع التواصل ومعرفة من التزم بإرسال الدعاء ومن استنكف عن ذلك؟!.

«اكتب رقم 2 وتختفي القطة»

وآخر تلك الخزعبلات كانت «تدوينة» على فيسبوك، شغلت قسماً كبيراً من شباب العالم العربي، وجاء فيها: «اكتب رقم 2 وستختفي القطة خلال 3 ثوان»، والقطة المعنية هي تلك التي تجثم على صدر ممتلئ لفتاة لم يظهر وجهها كاملاً في الصورة!.

وعلى الرغم من السذاجة والخدعة الواضحة في اللعبة، فقد انتشرت التدوينة في كل الدول العربية، واستقطبت نحو نصف مليون إعجاب و20 ألف مشاركة، فضلاً عن مليوني تعليق احتوى أغلبها على رقم 2، لظنِّ أصحابها أن القطة ستختفي فعلاً، وسيستمتعون بعدها بصدر الأنثى العامر، الذي مسّ عقولهم وجعلهم لاهثين وراء متعة افتراضية عابرة!. وكتب أحدهم «واااا مصيبتاه أين وصل مستوى شباب وطننا العربي انظروا إلى ما يستثيره من مواضيع»!. فيما علّقت إحداهن قائلة: «تخيلوا أن هذا العدد من الشباب العربي صدق كذبة ساذجة مثل هذه، فلا تستغربنّ إذا وقع (هؤلاء) ضحية لجماعات إرهابية وعدتهم بالحسناوات من حور العين». وأصبح بعدها تعليق «اكتب رقم 2 وتختفي القطة» شعار بعضهم للتدليل على سذاجة من يصدقون ما يقال لهم أو أمامهم دون تفكير.

ورغم التفاهة البيّنة في مثل هذه التدوينات إلا أن أصحابها يعرفون أن النسبة الكبرى من مستخدمي مواقع التواصل تنتمي إلى فئة البسطاء، وتنطلي عليهم هذه الحيل التي تستخدم من قبل مطلقيها إما لزيادة عدد الإعجابات بصفحاتهم لا أكثر، أو من أجل زيادة عدد المعلنين الذين يريدون إيصال إعلاناتهم إلى أكبر عدد من المستخدمين مهما كان تفكيرهم.

ولدى القائمين على إنتاج هذه التدوينات والمنشورات رؤية واضحة لأكثر ما يجذب المستخدمين البسطاء كونهم الشريحة الأكبر، فهم إما يستغلّون الجانب الإيماني والتسليمي في الدين، سواء أكان الدين الإسلامي أم غيره، أو يستغـلّون الجانـب الغريزي الذي يشكّل هوساً للكثير من الشبـاب.

ويقول معلقون إن المشكلة الأساسية لا تكمـن في المنشـورات نفسها طبعاً، إنمـا في وعـي المستخـدم العربي الذي يصـدق أي شيء ويتفـاعـل مع كلّ ما يقدّم له مهما كان سطحياً ومضللاً ومبتذلاً؟ّ.