لا عمل ولا حتى تدخين

بقلم: 

من أين للتاجر الفلسطيني هذا الجلد بأن يستمر تاجرا يقف على قدم وربع في مواجهة أوضاعه الراهنة، ولا يقرر وبمحض ارداته  المجنونة بأن يصبح مجرد أجير في إحدى المحال التجارية العربية أو الإسرائيلية لا يهم،  فعندما يتخذ تاجر مقدسي قرار كهذا فاعلم أنه في حالة من الطفر ولا أقصد طفر المال وحسب..!

هذا ليس سؤالا ساخر أبدا، بل هو الحقيقة والجد بعينه،
فمنذ سنوات طوال والتاجر المقدسي يعاني الأمرين من بطش احتلال يملك كامل العداد والعدة، يعاني  من هول  الضرائب لا سيما الأرنونا والتي تقيس مساحة المكان، والخدمات في تلك المنطقة وبناء على ذلك يتم تحديد قيمتها. والقوانين الصارمة لسير الاستيراد والتصدير والحواجز المقيتة المعرقلة للنقل، هذا وغير التهديدات المستمرة في الاستيلاء على المحال التجارية بقصد تحويلها بيوتا  للمستوطنين، وفوق هذا كله المنافسة الحادة مع الأسواق اليهودية، فالحكومة الاسرائيلية تضيق الخنق على المقدسيين ومن ثم تخفض من أسعار السلع والاحتياجات الضرورية في أسواقها، في حين لم يقدر التاجر الفلسطيني على مجاراة الأسعار المخفضة في الاسواق العبرية فهو منهك أصلا من ثقل ضرائب وقوانين عرفية من محتله، لا أعرف ما عقل تلك الحكومة فهي حتى لا تفسح المجال لرحمة الله أن تعم!

أنا أتحدث عن تاجر قد يفتح محله عشر ساعات يوميا ولا يخرج من الربح الصافي إلا بما يكفي لشراء صحن حمص صغير بدون زيت زيتون وثلاث حبات من الفلافل ورغيف حزين وهذا قوت يومه .
لا تصل إلى قمة حزنك الان، انتظر حتى أكمل لك ما تبقى من المشهد..

على أثر الهبة الشعبية أصبحت الحكومة الاسرائيلية عبارة عن نار إن لم تجد ما تأكله فستأكل نفسها، ولكن ما حدث أنها وجدت ما تأكله، فأكلت بشراهه ومازالت مقدسي مشحر، كيف؟

أصبحت تجوب الشوارع  كإقطاعي خرج من كتاب التاريخ لتوه، كل من في يده سيجارة مشتعلة تكتب على اسمه مخالفة وجب دفعها بقيمة 1000-5000ش على حسب مزاج كاتب المخالفة، وأما إذا دخل المدخن وبيده سيجارته المشتعلة إلى داخل محل في القدس فيخالف بقيمة 1000 ش، وأما صاحب المحل فيخالف بقيمة 5000 ش لأنه سكت على جرم المدخن، لا بل واستقبله في محله، مما يدفع التاجر الى الصراخ  وفي حاله شاذة غير  متوفرة إلا في القدس "رجاء لا تدخل الى محلي وتشتري من بضاعتي"!

لم ننتهي بعد..فبحالة جنونية أصبحت تستهدف المقاهي العامةبمخالفات مخالفات.. ولكن وإن منع التدخين في المقاهي العامة ستغلق كافة المقاهي عن فلس قاتل، فهناك مقاهي زوراها لا يأتوها إلا لرائحة معسل الأرجيلة الذي بات من المستحيل السير في شوارع القدس وتشم رائحة معسل الليمون أو البطيخ أو النعنع...أو حتى البخور خوفا من ترجمة رائحته بشكل مغلوط!

وفي إحدى الزاويا هناك محل لتصليح عطل التلفزيونات، تم مداهمته فجأة بشكل مخيف طوقوه هو وصاحبه،  وطلبوا من صاحب المحل الأوراق الثبوتية بسرعة، وهويته، وقام الموظف  الاسرائيلي باستخراج قلمه من جيبه المفقود وسط ضجة حمولته من أسلحة وواق من رصاص...وكتب على صاحب المحل مخالفة بقيمة 10.000ش، جن جنونه صاحب المحل فهو لا يدخن ولا  يوجد في محله من يدخن ولا حتى من لا يدخل، فهذه مجرد أجهزة عاطلة عن العمل؟؟
وبكل بساطة كان الجواب: أين لافتة "ممنوع التدخين".

فهذه الحكومة الاحتلالية الحاقدة تسير كثور هائج، لا سياج ولا ردع، وسياستها الفوضاوية تكب الزيت على النار، وحتما سيأتي هذا اليوم الذي سيقلب فيه السحر على الساحر.