إرادة نائمة وأماني مستيقظة

بقلم: 

كثيرون هم من أشبعوا موضوعة الإنقسام الفلسطيني بالنقاش والتحليل، لكن أمام ما تحياه القضية الفلسطينية وعموم المنطقة أرى من الضرورة بمكان إعادة البحث في ذات الموضوع،إنطلاقاً هذه المرة من زاوية أخرى، وهي الوقوف على معيقات وأسباب تعثر تنفيذ المصالحة حتى اللحظة.

مثلما هو ثابت بأن الإنقسام طعنة للمشروع الوطني، فالوحدة أيضاً هي قانون الإنتصار الطبيعي، إذ ليس هناك خلافا حول طبيعة وماهية الإنقسام أو مدى خدمته للمشروع والإستراتيجية الإسرائيلية، فهو كما أراه صراع يدور في جوهره حول التمثيل،بحيث لم يبدأ وفقا  لهذه الرؤية عام ٢٠٠٧، فهو أعمق من ذلك بكثير،أي ليس مجرد حدثاً طارئاً كما يراه البعض، إنما بداية لمرحلة جديدة وخطيرة.

نعرض هنا السؤال المركزي...لماذا إذن برغم هذا الإدراك الجمعي يصعب علينا حتى اللحظة تجاوز الإنقسام وتنفيذ المصالحة الوطنية..؟؟! في هذا المقام،ليس هناك أفضل من الإجابة على السؤال السابق بسؤال جديد...مافائدة المعرفة والإدراك معاً،في ظل غياب الإرادة وارتهان القرار،أي أمام حالة من العجز الكلي..؟؟! من الطبيعي أن تمثل الإجابة على هذا السؤال مربط الفرس،تحديداً تجاه المعيقات والأسباب،لتعثر تنفيذ المصالحة وإنجاز الوحدة،وكيفية تخطيهما في آنٍ معاً. بدايةً،لم يعد خافياً عزيزي القارئ بأن الإنقسام شأنه شأن المصالحة،فالإتفاق نحو الأول حتماً يقود نحو الثانية،فالإنقسام ابتداءً وانتهاءً لم يكن بالأمر الفلسطيني الخالص إنما انعكاساً طبيعياً للانقسام العربي_العربي ،وأمام المتغيرات الحاصلة في المنطقة من جهة،واصطدام مشروعي طرفي الانقسام بالحائط من جهة ثانية،لا بد من البناء على ذلك تجاه تنفيذ المصالحة،لأن الانقسام بالأساس،وفقاً لكل الحسابات،لا يعدو في كونه أكثر من صراع صفري،مهما حاول البعض المتربح منه،تصويره خلافاً لذلك.

أما فيما يتعلق بنظرة الأطراف المركزية للانقسام نفسه،نجد بأن رأي حركة حماس تجاه ذلك ليس موحداً،وبالتالي التباين والاختلاف أيضاً في النظرة تجاه المصالحة وآليات تنفيذها،مثلما أن رأي حركة فتح والسلطة بالمقابل،منقسماً على نفسه،تحديداً حول المراهنة على رضوخ حركة حماس مع الوقت،

بمعنى غياب الرؤية الواضحة من البداية وحتى اللحظة،الأمر الذي يفتح كوة في جدار الإنقسام تحديداً في ظل ما تحياه الأطراف المركزية من أزمات غير مسبوقة،مع عدم إغفالنا هنا لكل ما من شأنه أن يجعل المشهد قاتماً،خاصة غياب ثقة طرفي الانقسام كل منهما بالآخر،إذ يمكن ملاحظة ذلك أينما وليت ناظريك،فالشواهد كثيرة،سواءً على صعيد الخطاب والتناحر الإعلامي  أو التنصل من الاتفاقات الموقعة،فضلاً عن الممارسات اليومية على الأرض،سواء هنا أو هناك ،والتي شيدت مع الأيام من مظاهر الانقسام،وبناء كل طرف عليها،جداراً عالياً أخذت جذوره تمتد في الوعي والثقافة....عليه.

أما آن الأوان لمياه اللحظة المتدفقة و محددات العمل الوطني ارتباطاً بالمصالح العليا،من تجاوز هذه السدود مهما كانت عالية وعصية ،بمنطق الحزبي وحساباته الضيقة في الربح والخسارة..؟؟ ليس هذا فحسب،غياب الرأي الواحد تجاه الانقسام أو المصالحة،إنما تعاظم قوة ووزن،ارتباطات ومراهنات المتربحين من الانقسام أيضاً،تحديداً في ظل استمرار غياب حركة شعبية وازنة وضاغطة بالقدر الواجب واللازم،لإجبار مختلف الأطراف على الاستجابة لمطلبها في الوحدة،فحراك الشعوب بالتجربة

قادر على إحداث التغيير المطلوب،بالمقابل لا يمكن اغفال أمراً غاية في الأهمية،يتمثل باستمرار الفشل في مهمة إدخال حركة حماس وبالتالي دخولها في المشروع الوطني الفلسطيني على حساب المشروع الحزبي،وضرورة إجرائها التغييرات البنيوية اللازمة لذلك،الطريق الأضمن والأقصر لحركة حماس لتحقيق ما تريد،والمدخل الطبيعي أيضاً لتحقيق المصالحة وتجاوز الإنقسام إلى غير رجعة،باعتبار ذلك إحدى أهم الأسباب الموضوعية للانقسام واستمراره...فعلى حركة حماس هنا الإجابة على هذا السؤال المطروح منذ زمن بعيد.

على الجهة الأخرى،ليس خافياً أيضاً،إستمرار التدخل الإسرائيلي،الذي بدأ مبكراً لصالح الانقسام واستمراره،بل تطويره والبناء عليه استراتيجياً مع الأيام،مع الإشارة هنا إلى قدرة الإسرائيلي على صناعة الأحداث عبر مبدأ إعادة صناعة الخصم،أو مجرد توظيفها واستثمارها بالحد الأدنى،خاصة فيما يتعلق بمظاهر واثار الإنقسام،التي تزداد سمنة وتأثيراً مع الأيام.وهذا يتطلب إيجاد اليات وطنية لمواجهة ذلك يصعب الوصول إليها بعيداً عن أجواء التوافق والمصالحة. وبما أن الإنقسام ،كما أشرنا إليه سابقاً، ليس بالأمر الفلسطيني الخالص،فمن الطبيعي بأن تكون صلة حماس سابقاً،سواءً بسوريا أو بإيران،قد أضعفت فرصة إنهاء الإنقسام...بناءً عليه هل ابتعاد حركة حماس اليوم عن سوريا وايران،واقترابها بالمقابل من المحور الخليجي ودوره التمويلي في المنطقة تحديداً في ظل أزمتها المركبة والمتصاعدة،يزيد من فرص إنجاز المصالحة حالياً،أم يبقي الأمر على حاله وكأن شيئاً لم يكن ارتباطاً بدولة قطر وجزيرتها الإعلامية ودورهما المعروف في المنطقة.

عليه،قد يبدو تنفيذ المصالحة أمراً بعيد المنال،تحديداً في المدى المنظور ،خاصة في ظل استمرار الارتهان الحاصل لمواقف حماس من جهة،وغياب المبادرة بالأساس من جانب حركة فتح والسلطة أيضاً من جهة ثانية..وأقصد هنا المبادرة القادرة على استعادة زمام الأمور وتحريك المياه الراكدة ودفعها قدماً تجاه إحداث التغيير المطلوب،فضلاً عن أن الهم الأساسي لليسار الفلسطيني بقي في ظل الانقسام واستمراره،يتمحور أساساً حول الغاء اتفاقيات أوسلو،الأمر الذي وضعهم من حيث لا يريدوا ولا يقصدوا،في مكان أقرب لحركة حماس بدلاً من الضغط عليها لأخذها نحو تنفيذ المصالحة،وهو بمثابة تعبير حقيقي وانعكاس طبيعي لتراجع وضعف اليسار عموماً من جهة،بمعنى غياب طرف ثالث وازن وضاغط،ودليل إضافي على الشرخ النصفي الحاصل على الساحة الفلسطينية من جهة ثانية،لذا مطالب اليسار الفلسطيني مجدداً بإثبات قدرته على إجتياز هذا الإمتحان الوطني بامتياز.

بالمقابل نجد بأن قرب وبعد و/أو مراهنة كلاً من طرفي الانقسام ،من وعلى الطرف المصري قد أضعف وما زال فرصة إنجاز المصالحة،تحديداً في ظل الرؤى والحسابات المتعارضة لكل منهما مع الآخر،فضلاً عن سعي كل طرف لأخذ الطرف الآخر،نحو رؤيته ومشروعه،علماً بأن الإمكانية للاتفاق على قاسم مشترك،متوافرة ومنذ البداية،ومضاعفة حالياً لاعتبارات ذاتية وموضوعية،أخاله يتمثل في برنامج نضالي وسياسي موحد،أجده ارتباطاً بمركبات القضية الفلسطينية،في البرنامج الثوري الواقعي لمنظمة التحرير،بحكم قدرته على التحليق في الفضاء الإقليمي والدولي.

ويبقى لي القول:تحديداً في ظل المأزق الحاصل لطرفي الانقسام من جهة،والمتغيرات الشاملة على مستوى المنطقة من جهة ثانية،تزامناً مع الوضع الدولي المنشغل أساساً بالتطرف المتصاعد أفقياً وعمودياً في آنٍ معاً،بالموازاة أيضاً مع عناد وعنجهية حكومة اليمين المتطرف في اسرائيل،بضرورة إجراء تحولات جدية تجاه الوضع القائم،من خلال إيجاد آليات وطنية تؤسس بعيداً تجاه تنفيذ المصالحة ومواجهة التحديات والمستجدات المتسارعة،...وإلا ففي حالة استمرار الوضع على حاله ينبغي العمل على إنهاء حالة إرتهان الكل الوطني لحركة حماس ومواقفها،عبر البحث وطنياً والبناء عليه عربياً ما أمكن،لتهيئة الأجواء للدعوة إلى انتخابات عامة(تشريعية ورئاسية) على أساس التمثيل النسبي الكامل باعتبار الوطن دائرة انتخابية واحدة،على أن يشارك قطاع غزة بالترشيح في ظل انعدام السبل أمامه بالتصويت،..وإلا بتقديري الشخصي،فإن السلطة ومنظمة التحرير والمشروع الوطني بكليته،في السنوات القليلة القادمة،أمام منعطف وامتحان  يكاد يكون غير مسبوق.  ٥/١/٢٠١٦