المحكمة العليا غائبة عن الإسرائيليين الذين يتعرضون للقصف

قصف

أفيغدور فيلدمان

كانت محكمة عليا صغيرة في الحقيقة مع بدء الحرب. فقد رفضت المحكمة العليا بعد يوم من قتل شخص وجرح طفلة رضيعة جرحاً بليغاً في بلدة بدوية، رفضت استئناف جمعية حقوق المواطن التي طلبت أن تؤمر الدولة بوقاية البلدات البدوية التي يسكن فيها نحو من 200 ألف نسمة. وتُعرف تلك البلدات بأنها أراض فارغة ولهذا لا تحظى بحماية «القبة الحديدية». وقبَّلت المحكمة العليا في حكمها موقف الدولة التي زعمت أن الاستلقاء على الأرض ووضع اليدين على الرأس أفضل من التحصين. بيد أن طفلة رضيعة بدوية أخرى جرحت بعد ذلك جرحاً بليغاً، هذا الى أن عددا من البدو بنوا لأنفسهم أماكن حماية خاصة حظوا بأوامر هدم نفذت في تصميم وسرعة.

ربما يمكن أن نفرض أنه بعد الاستقبال الذي حظيت به الجمعية في المحكمة العليا، تلاشت شهوة لبس العباءات السود والاتجاه الى القدس والانتظار في زحام السير والبحث عن موقف للسيارات والسير على الأقدام نصف كيلومتر صعودا وفي الحرارة للقاء رئيس المحكمة العليا هناك الذي يعارض تدخل المحكمة العليا في كل موضوع ليست له مادة صريحة في قانون الاحكام المدنية أو في قانون الاستئنافات الادارية على الأقل. وربما لم تكن حاجة الى المحكمة العليا لأن عملية الجرف الصامد تمت بحسب كل مادة من مواد قانون المحكمة الدولية لجرائم الحرب وعلى حسب القواعد المتشددة في كتاب أنطونيو كساسا «القانون الجنائي الدولي»، بل إن كتاب هوغو بروتيوس في أحكام الحرب من القرن السادس عشر لم يغب عن كل أمر من أوامر العمليات.

لكن نظرة خاطفة الى سير العملية تدع مكاناً لعدد من الرحلات العاجلة الى القدس. فهناك على سبيل المثال صمت النعاج عن «اجراء هنيبعل»، قانونيته ونفاذه واستعماله الذي أفضى الى قتل مجرم لأكثر من 100 مدني يسمون بلغة الجيش الاسرائيلي المغسولة «غير مشاركين». وقد رفعت قبل سنوات استئنافات تتعلق باجراءات اطلاق النار وفيما يتعلق باجراء يبيح اطلاق النار على ملثمين، وفي شأن التصفيات المركزة. وقد كتبنا قرارات حسنة صدرت عن المحكمة العليا وسافرنا اليها. لكن ما هي بالقياس الى «هنيبعل» الذي حررت عملية الجرف الصامد فكّيها من الاسلاك الحديدية.

وماذا عن قرار تدمير عدد من الابنية متعددة الطوابق في وسط غزة خلال الحرب؟.. يسميها رئيس الوزراء «أبراج الارهاب»، وأنا ألاحظ مذعوراً التداعي الوحشي الذي خرج عن السيطرة مع برجي التوائم. ألا يستدعي ذلك قرارا عاجلا عن المحكمة العليا يوجب على رئيس الوزراء أن يُبين، أو هل الحديث عن قرار تخطيطي «أخضر» على تحسين خط أفق البحر المتوسط في غزة الذي يتميز ببيوت منخفضة مدمرة مزينة كأحسن ما في التراث المحلي بفرشات ممزقة والعاب أولاد، وعلى إبعاد الأبراج القبيحة التي تحجب البحر الازرق؟!

قبل سنين قليلة كانت كل واقعة كهذه تجعل جمعية حقوق المواطن وبتسيلم ويوجد حكم وحسن جبارين وليئا تسيمل وأنا وميخائيل سفراد نسارع الى المحكمة العليا لا بأمل الحصول على مساعدة حقيقية من المحكمة العليا، لكن لأننا لم نكن نستطيع البقاء في البيت، وقياس البلاط من جدار الى آخر وضرب الرأس بالحائط والصراخ بالمرأة والأولاد ورفع مدونة مجنونة في الفيسبوك تعتمد على حلم صبغ فيه بنيامين نتنياهو شعره بلون وردي براق.

كانت المحكمة العليا ميدان السوق العامة الذي يمكن أن تذهب اليه النفس الباكية لتضع رأسها في حضن أهارون براك وتنتظر مداعبة عزاء للرأس وعدة كلمات تعزية. كلمات مثل «التناسب» و»أخلاق الحرب»، وألا يُسمع للحظة واحدة داني دنون وللهرب من تقطيب روني دانيال. بيد أن عملية الجرف الصامد تركت ميدان السوق خاليا واختفت المحكمة العليا من الميدان.

ولا ينبغي أن نتهم بذلك المحكمة العليا لأن المحكمة العليا تشبه دمية جورب على إصبع، فهي لا تتحرك ولا تتحدث إلا اذا وجدت إصبعاً تحركها. وقد غابت تلك الاصابع عميقاً في الجيب. أسكتنا صوت الانتقاد الصافي الذي يُسمع فوق كل الصراخ والهراء مدة خمسين يوماً كذلك الصوت الثخين في الحركة النهائية من السيمفونية التاسعة لبيتهوفن. ولم تأتِ الاستئنافات ولم تجتمع السيارات في منتصف الليل ولم تصدر أوامر بينية عاجلة الى رئيس الوزراء ووزير الدفاع. ولم تُكتب استئنافات على عجل بقلم حبر في الطريق الى المحكمة العليا.

زرتُ المحكمة العليا في الآونة الاخيرة بالصدفة فلم أجد لا اندفاعاً ولا صراخاً، وقد جلست هيئتان في القاعة (ج) والقاعة (د) كانتا تبحثان في ثلاث قضايا هي استئنافات مدنية حتى إنَّ رب البيت الذي يهتم بكل بقعة على أرضية الرخام المصقول قعد بلا عمل الى احدى الطاولات.

 

هآرتس 3/9/2014

 

كانت هذه الحرب يعوزها شيء ما هو طعم ما أساسي يعطي العناصر كلها كامل طاقتها الكامنة. كان ناقصاً مثل «الحوايج» لمرق يمني. وأدركتُ في النهاية تقريباً فقط ما الذي جعل هذا الطبيخ بلا طعم حتى أكثر من كل واحد من عناصره. إن الحوايج الناقصة هي المحكمة العليا بالطبع، فقد كانت حرباً دون وجود حقيقي للمحكمة العليا.