خاص: بدائل التهريب عبر الأنفاق في غزة!

التهريب عبر الأنفاق

سناء كمال

(خاص) زمن برس، فلسطين: حين تتلبد السماء بالغيوم المحملة بالأمطار الغزيرة، وتتسارع تقلبات أمواج البحر وتزداد قوة، بفعل الرياح الناجمة عن المناخ الإعصاري، تكون الفرصة مهيأة تماماً للمهربين في قطاع غزة لاستقبال بضاعتهم عبر البحر، وهو الملاذ الوحيد لهم لاستمرار تجارتهم "تهريبهم"، بعد أن دمرت السلطات المصرية الغالبية العظمى من الأنفاق المنتشرة على الحدود الجنوبية للقطاع، وذلك عقب تنفيذ عدة "هجمات من قبل منظمات جهادية ضد الجنود المصريين.

إغلاق الأنفاق وضع مهربي غزة "الأثرياء الجدد" في محنة كبيرة، ولن تحمد عقباها في حال استمر الوضع على ما هو عليه، في ظل تشديد السلطات المصرية سيطرتها على الحدود الجنوبية لقطاع غزة، والتعامل بكل حزم مع من يحاول أن يخترق قرارات الحكومة المصرية، بحفر أنفاق جديدة، وذلك بعد الإعلان أن الأنفاق كان لها دورا أساسي في تنفيذ الهجمات ضد جنودها.

وعدم وجود أمل في حفر أنفاق من جديد ساهم في تدمير الحالة الاقتصادية لكثير من أولئك الأثرياء الجديد "المهربين"، أو توقُف حال بعضهم في أحسن أحوالهم.

أبو نعمان (45 عاما) أحد المهربين تجمدت "تجارته" لأكثر من ثلاثة أشهر، فاضطر أن يتعامل مع بعض أصحاب الأنفاق الذين يعدون على الأصابع من أجل تحصيل بعض البضاعة بثمن مضاعف عما كان يأخذه من التجار المصريين في السابق، ولكن "ريحة البر ولا عدمه" كما يقول أبو نعمان لزمن برس، إلا أنه عمل على مشاركة صاحب نفق آخر من أجل استجلاب كمية كبيرة من الدخان والمعسل، ودفع أكثر من نصف ما جناه في الخمس سنوات الماضية من تجارة الأنفاق، فجاءت الضربة القاضية لهم بتدمير النفق قبل أن تصلهم البضاعة!.

ويقول أبو نعمان:" بقينا أشهر طويلة نراسل التجار المصريين والذين غالبيتهم من المهربين، عن كيفية تحصيل بضاعتنا، خاصة أنه لا يمكنهم إرجاع النقود  وهو معروف بالعرف "التهريبي"، وبقي الخوف والقلق مسيطران علي، ليل نهار خاصة وأنني دفعت ملايين الشواكل في هذه البضاعة، إلى أن هداني التاجر الذي أتعامل معه إلى البحر كبديل ومنفذ وحيد لاستقبال بضاعتي قبل أن تضيع علي"، مشيرا إلى خطورة الأمر من الناحية المادية أو حتى على أرواح العاملين معه".

ويوضح أبو نعمان :" التهريب بشكل عام مخاطرة، ولولا الخطورة التي تحف التهريب بكافة أشكاله لما سمي بذلك، ولكان تجارة بشكل قانوني، ولكن ما بيدنا حيلة هذا ما نحن عليه"، متابعا:" غير أن تهريب البحر هو الأخطر خاصة وأن حالتنا الفلسطينية لها خصوصيتها، وأن البحر تسيطر عليه الملاحة الإسرائيلية، والتي قد تطلق النيران علينا بشكل مباشر وتقتلنا دون أن تسعى لاعتقال العمال، بدعوة اجتيازهم المسافة المتفق عليها ضمن اتفاقيات التهدئة".

وعن كيفية استخدام البحر للتهريب إلى غزة يقول أبو نعمان لزمن برس:"حين  يكون المناخ عاصفاً والسماء مبلدة بالغيوم تكون المهمة أسهل بكثير من أيام يكون فيها الجو صافي، لأن الطرادات الإسرائيلية تكون نوعا ما غير قادرة على الرؤية لمسافات بعيدة، وبالتالي تكون مهمة إنزال البضاعة من أحد السفن القادمة من بلدان بعيدة أسهل بكثير من جو معتدل أو حتى صافٍ"، ويتابع:" بعد ذلك يسبح غواصون ليحضروا البضاعة التي يرميها مندوبونا قبل أن تكمل سفينتهم مسيرها، أو حتى تنطلق حسكة (قارب صغير) بعد أن يتم تركيب ماتور سريع إلى المكان المتفق عليه لإلقاء البضاعة فيه".

مهمة  الحسكة لا تتعدى 15 دقيقة كما أوضح لنا أبو نعمان، حيث أنها يجب أن تصل المكان في 5 دقائق، و5 دقائق أخرى فقط أمام العتالين لتحميل البضاعة، وال5 دقائق الأخيرة ليعودوا إلى الشاطئ قبل أن ينتبه إليهم الجنود الإسرائيليون الموجودون في البوارج البحرية في وسط البحر.

فيما يعتمد البعض على الأمواج كي تصل إليهم بضاعتهم كما يشرح (م، ش) (45 عاما) لزمن برس :" وهي أن تقوم الأمواج المتلاطمة بنقل البضاعة التي غالبا ما تكون مربوطة بطوافات تكون قادرة على سحبها مع الأمواج"، منوها إلى أنهم يتمكنون من تحديد مكان وصول البضاعة عبر الأمواج من اتجاه  الرياح، عبر استعانتهم بخبراء أرصاد جوية، وكذلك متخصصون باتجاهات تحركات أمواج البحر.

ويضيف (م،ش) لزمن برس:" هذه الطريقة ليست آمنة دائما، فأحيانا تتغير اتجاه الرياح فجأة فتتغير على اثرها حركة الأمواج، فإما أن تبقي البضاعة في قعر البحر أو تسحبها إلى الخلف، أو حتى تسحبها إلى أماكن قد يلتقطها البعض أو يتم القبض عليها من قبل الحكومة".

أما المهرب أبو محمد (50 عاما) فلا يؤمن كثيراً بالتهريب عبر البحر، وإن كانت بالنسبة له إحدى الوسائل التي قد يضطر بنهاية المطاف لاتباعها، ولكن ذلك لم يتم إلا بعد أن يستنفذ كافة الوسائل لاستعادة حفر نفق خاص به من جديد، حتى وإن امتد لأكثر من 30 كيلو متر على عمق 30 مترا تحت الأرض، وهذه المسافة تتجاوز المنطقة العازلة التي تفرضها السلطات المصرية على الحدود الجنوبية لقطاع غزة.

ولا يحبذ أبو محمد البحر لما يحمله من خطورة على البضائع، وحتى على حياة عماله ، مما يجعله يفضل تحدي السلطات المصرية مجددا وحفر نفق كبير، ويقول لزمن برس:" التهريب بشكل عام خطر ولكن أفضل الموت في أرضي على الموت في بحر لا أعرف إن كانت أمواجه ستقذفني لأهلي مجددا".

ويعقب مازحا:" إحنا هيك هيك ميتين خلينا نموت في أرضنا بدل ما نموت في بحر عميق ما بنعرفله قرار ولا حتى خيار".

في حين اكتفي أبو إبراهيم (30 عاما) بالعشرين مليون دولار التي حصلها من تجارته بالتهريب عبر الأنفاق على مدار ست سنوات سابقة، وذلك بعد أن كان يعمل مزارعا بسيطا في جني المحصولات الزراعية من أراضي أقاربه شرق مدينة خانيونس جنوب القطاع.

ويقول أبو إبراهيم لزمن برس:" لم أكن يوماً تاجراً ولم أحلم أيضاً أن أحصل على ألف دولار أمريكي وحين بدأت بالعمل بالأنفاق وحصلت على المليون الاولى التي لم تكن صعبة أبدا، طمعت بأكثر من ذلك، ولكن مع بدء تدمير الأنفاق في عهد الرئيس السابق محمد مرسي قررت عدم المخاطرة بأموالي".

واتجه أبو إبراهيم كما العديد من المهربين إلى استثمار أموالهم في السوق المحلية للقطاع، وذلك عبر استثماره أمواله ببناء أبراج سكنية وبيعها، وهو ما يشكل وجهاً من وجوه غسل الأموال في قطاع غزة.

واتجه تجار آخرون إلى استثمار أموالهم في تأجير السيارات الحديثة وبيعها بالتقسيط، وبناء المنتجعات السياحية، والأبراج السكنية، وفتح محلات للصرافة وهو ما أثر على الاقتصاد في غزة، حيث سيطر الاحتكار على كافة مناحي الحياة للمواطنين العاديين.

ويشار إلى أنه من أهم البضائع التي يتم تهريبها، الدخان والمعسل والأسلحة وكذلك المخدرات والمواد الممنوعة.

حرره: 
م.م