الحرب على إيران
شهدت الآونة الأخيرة صخبًا إعلاميًا حول الحرب على الجمهورية الإيرانية، ترافق مع تصريحات ونقاشات حادة بين شمعون بيرس، الرئيس الإسرائيليين الذي شكك بقدرة إسرائيل لوحدها على شن الحرب، من جهة، وبين كل من نتنياهو، رئيس الوزراء وإيهود باراك، وزير الدفاع ومن معهم في الفريق الحكومي، المؤيد خيار الحرب، من جهة أخرى.
وبالأمس أدلى جون بولتون، السفير الأميركي الأسبق في الأمم المتحدة، بدلوه مؤيدا أخذ القيادة الاسرائيلية زمام المبادرة باعلان الحرب على ايران، بالاضافة الى العديد من انصار الحزبين الديمقراطي والجمهوري، الذين دافعوا عن خيار شن الحرب على دولة الملالي لضرب المفاعلات النووية. كما نشر احد الخبراء الاميركيين على موقعه في الفيسبوك تفاصيل الحرب، المواقع المستهدفة، والقوى المشاركة، والفترة الزمنية المقررة للحرب ... الخ.
الاراء مختلفة في الاوساط السياسية والاعلامية الايرانية والعربية بما فيها الفلسطينية والاسرائيلية حول جدية الخطوة الاسرائيلية. البعض يرى جعجة اسرائيلية بلا صدى. والبعض الآخر يعتقد، ان التهديدات الاسرائيلية جدية، وتعكس رغبة حقيقية في الحرب، لان حصول ايران على القنبلة الذرية وبغض النظر عن طبيعة العلاقة، التي حكمت وتحكم ايران مع اسرائيل والولايات المتحدة عبر الانظمة السياسية المختلفة في زمن الشاة وزمن آيات الله.
غير ان المدقق للاجواء، التي تعيشها اسرائيل، ليس فقط اعلاميا، وانما من حيث المناورات، التي تجريها، وتنظيف وتوسيع الملاجىء، وتوزيع الكمامات على المواطنين، ونشر صواريخ الباتريوت المضادة للصواريخ، والاتصالات المتواصلة الاميركية – الاسرائيلية، وعودة حاملة الطائرات الاميركية ستفينسن مجددا للخليج، ومواصلة التحريض على جمهورية ايران وخاصة ما يتعلق بنشر المعلومات الجديدة عن الملف النووي والمناورات، التي اجراها حزب الله مؤخرا في جنوب لبنان، تشير جميعها الى أن دولة الابرتهايد الاسرائيلية لن تتردد في الاقدام على خطوة دراماتيكية تجاه ايران.
من يعود للحملة الاعلامية، التي شنتها اسرائيل والولايات المتحدة على العراق عشية الحرب عام 2003، ورغم الفارق بين الزمنين واللحظتين السياسيتين، وشروط كل لحظة، إلآ انها تؤشر الى ان حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة وبالتعاون مع القوى اليمينية المحافظة في الحزب الجمهوري واعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي المؤيدين للدولة العبرية والايباك الصهيوني في اميركا، يدفعون جميعهم الامور باتجاه تهيئة الاجواء لشن حرب على ايران.
ولمن لا يعلم كان اتخذ قرار بالحرب على ايران في شباط \ فبراير 2011، ولكن التطورات، التي عصفت بالمنطقة أجلت شنها لاعتبارات اميركية واسرائيلية. وفي حال برزت مستجدات موضوعية تعاكس الرغبات الاسرائيلية، فقد لا تقدم اسرائيل على شن الحرب. غير ان قرار الحرب إتخذ، وبالضرورة ستكون قبل الانتخابات الاميركية بغض النظر عن تشكيك بولتون بنوايا ادارة الرئيس باراك اوباما.
بالتأكيد اسرائيل لن تقدم على شن الحرب دون التنسيق الكامل مع الادارة الاميركية. والرئيس اوباما، الذي صادق على قرار وقانون التعاون العسكري عشية زيارة روميني ، المرشح الجمهوري لاسرائيل قبل فترة وجيزة، ليس بعيدا عن الرؤية والاهداف الاسرائيلية.
مما لا شك فيه، ان الحرب هذه المرة لها ثمن كبير إن كان في عدد الضحايا او في الخسائر المادية والاقتصادية والمالية، غير انها ارباحها الاميركية – الاسرائيلية ستكون اعلى ان حققت الحرب اهدافها. ولا يجوز التقليل من خيار الحرب استنادا الى طبيعة العلاقات الاميركية – الايرانية، وتقاسم النفوذ في العراق. فالولايات المتحدة تاريخيا، لا تتقيد مع دول العالم المختلفة بما في ذلك اوروبا واليابان، وخاصة مع دول العالم الثالث باية معايير، لان مصالحها واهدافها المتدحرجة، واستمرار سيطرتها على منابع النفط وعائداته في منطقة الشرق الاوسط الكبير من الخليج العربي حتى اسيا الوسطى مرورا بايران وافغانستان هي الاساس. لانها تعمل وتسعى للحفاظ على مكانتها العالمية، لتبقى ممسكة بقرون العالم من خلال هيمنتها المتعولمة على شعوب وامم الارض قاطبة.
لا ثوابت في السياسة الاميركية – الاسرائيلية إلآ مصالحها وارباحها الاحتكارية. ولا تحسب حسابا للخسائر البشرية، فهذا آخر همومها، لان هاجسها الاساسي السيطرة والتفوق على قوى واقطاب العالم من خلال استهداف القوى الضعيفة لارهاب القوى الكبرى. وايران حلقة ضعيفة رغم ما يعلنه قادتها من امتلاكهم لاسلحة وصواريخ بعيدة المدى، ورغم ما لدى حزب الله من صواريخ واسلحة مؤثرة في العمق الاسرائيلي.
الفرصة الان المتاحة للولايات المتحدة واسرائيل، هي فرصة نموذجية، لان سوريا لم تعد موجودة بالمعنى الفعلي للكلمة، والواقع اللبناني بات اكثر تحررا مما كان عليه الوضع قبل اشتعال الثورة السورية، ودول الخليج العربي وتركيا لها مصلحة في ضرب ايران لاعتبارات خاصة بكل فريق، والعراق تابع للولايات المتحدة، وتحالفه مع ايران لايلغي الحقيقة الاساسية، وحتى لو كان تحالفه حقيقي، فلم يعد لديه القدرة على عمل شيء، لانه مفكك ومثخن بالجراح، اما باكستان وافغانستان ودول اسيا الوسطى، فهي مرتبطة ارتباطا قويا بتحالفات قوية مع اميركا واسرائيل. لذا الاجواء مناسبة جدا للحرب على ايران وانزال الهزيمة بها بالضربة القاضية وليس بالضربات الترجيحية. وقادم الايام سيكشف الصورة امام كل العالم والمراقبون على حد سواء.