"مرسي" وخطابه التاريخي .. رؤية أخرى!!
المبالغة في نتائج زيارة الرئيس المصري مرسي لطهران للمشاركة في اعمال قمة دول عدم الانحياز، بدأت قبل ايام عديدة من هذه الزيارة، وقد اخذت وسائل الاعلام "القومية" المملوكة للدولة والتي تم تغيير رؤساء تحريرها فور تسلم جماعة الاخوان للرئاسة ثم للسلطة التشريعية، اخذت تطبل وتزمر حول اهمية هذه الزيارة، كما هو شأن زيارة مرسي للصين، باعتبار هذه الزيارة - الاخيرة - هي عبارة عن "التوجه شرقاً" في محاولة من اعلام مرسي - الجماعة، للإيحاء بأن التوجه نحو الغرب، خاصة اميركا، كما بات معلوماً للجميع يوازيه توجه نحو الشرق، اي ان هناك توازناً في علاقات الرئاسة الاخوانية مع الشرق والغرب!!
ولا شك ان مشاركة مرسي في اعمال قمة عدم الانحياز كانت مهمة، بل بالغة الاهمية، ولكن لأسباب تختلف عن تلك التي اثارتها وسائل الاعلام المسيطر عليها من قبل الجماعة في مصر، او تلك الوسائل التي تلتحق بسياسات الجماعة، خارج مصر وداخلها لأسباب مختلفة، اذ ان هذه الزيارة هي الاولى التي يقوم بها رئيس مصري الى ايران منذ ثلاثة وثلاثين عاماً، وتتم في ظل قطيعة سياسية بين البلدين، وقد ثارت قبل الزيارة بعض التساؤلات حول امكانية استثمار هذه الزيارة لإعادة العلاقات الى طبيعتها بين البلدين، الا انه سرعان ما تبين ان الولايات المتحدة نصحت مرسي اولاً بعدم حضور اعمال القمة في طهران وفي كل الاحوال عدم اعادة العلاقات، كون ذلك سيؤثر مباشرة على الضغط الاميركي على ايران، وان مصر يجب ان تشارك في هذا الضغط، واعلن في القاهرة، قبل الزيارة ان القاهرة لن تعيد علاقاتها بطهران، الا ان الزيارة القصيرة لطهران، اربع ساعات فقط، كانت حلاً وسطاً بين الضغط الاميركي واهمية ان تستغل منصة القمة لإرسال رسالة الاخوان المسلمين في مصر للداخل المصري والخارج الاقليمي والدولي.
ومن البديهي ان ايران سعت من خلال استضافة قمة عدم الانحياز الى اظهار قدرتها على التحايل على الحصار والضغوط الاميركية والاسرائيلية حول ملفها النووي، وجاءت مضامين خطاب مرسي امام القمة، للاعلان عن فشل الرهان الايراني على مواجهة هذا الحصار وهذه الضغوط، بل على العكس من ذلك، فإن الموقف المصري المعلن في المؤتمر حول الوضع في سورية، يشير الى ان ذلك يتطلب زيادة الحصار العالمي والاقليمي على طهران، ليس فقط بسبب ملفها النووي، ولكن لدعمها لنظام بشار الاسد الدموي، وهذا الموقف، وهو صحيح تماماً. الا انه يتقاطع مباشرة مع الرغبة الاميركية الاكيدة في الابقاء على ايران تحت الحصار والضغط، واسهم خطاب مرسي في ذلك اكثر من اي زعيم آخر، وهو اكثر مما كانت تطلبه واشنطن من مرسي، التي سارعت للاعراب عن رضاها وسعادتها بما جاء في خطاب مرسي حول هذا الامر.
بعد الخطاب التاريخي لمرسي في طهران، زورت ايران هذا الخطاب وبثته مترجماً الى عدة لغات بعدما عدلت موضوعين اساسيين بالنسبة لها، فالرئيس مرسي لم يتحدث مطلقاً عن الوضع في ايران، الا ان الترجمة الايرانية "اضافت" ذلك الى الخطاب، اما القضية الثانية، تتعلق بالترضي عن اهل البيت، فقد حذفت ايران في ترجمتها اسماء الخلفاء الراشدين، ولم تعمد بشكل عام الى تزوير اضافي ما يشير الى ان القضايا الاخرى، رغم الخلاف حولها، لا تعنيها كثيراً، فهي مواقف معروفة سلفاً وتكرارها في خطاب مرسي ليس فيه اي جديد يمكن ان تتوقف عنده. وكان مرسي قد طرح قبل اسابيع قليلة مبادرة لحل الازمة السورية من خلال عقد حوار مصري تركي ايراني، ورغم ان وسائل الاعلام المصرية قد اشارت الى ترحيب انقرة وطهران بهذه المبادرة، الا ان ايران اعلنت من جانبها مبادرتها الخاصة، لعقد حوار يضمها الى تركيا ومصر والعراق ولبنان وفنزويلا، ما يشير الى انها تعارض مبادرة مرسي من خلال مبادرتها الاعتراضية، الامر الذي افشل اول محاولة مصرية لاستعادة دور مصر في التأثير في سياسات المنطقة من خلال قيادة حوار - اسلامي - لوضع حد للمسار الدموي الذي يقوده الاسد ضد شعبه في سورية.
اكثر من ذلك، وفي محاولة للالتفاف على دور مصر في انجاز مصالحة فلسطينية، فإن الرئيس نجاد واثناء استقباله للرئيس عباس، دعا الى استضافة طهران لحوار بين "حماس" و"فتح" بشأن المصالحة الفلسطينية في طهران، وكما هو معروف فإن هذا الامر مناط تحديداً بمساع وجهود مصرية، وهو كان جواب عباس على هذه المبادرة، ما يشير الى ان ايران تسعى الى الوقوف في وجه مساعي القاهرة لاستعادة دورها المؤثر في شؤون المنطقة اقليمياً ودولياً. بعض الدوائر الاعلامية في القاهرة، اعتبرت ان هذا الخطاب التاريخي، يستوجب تنظيم استقبالات مليونية لمرسي العائد من غزوته الظافرة لإيران، بعد ان وضع مصر على خارطة العالم وسجل فتحاً لا نظير له في تاريخ مصر وربما العالم، فالصحافة المصرية استخدمت لغة غزو وفتح، وقنبلة، في وصف هذا الخطاب، ربما للتغطية على ما يحدث الآن في مصر الداخل، من اقدام وفتح وقنابل، تهيئ لسيطرة جماعة الاخوان المسلمين على مصر المحروسة، سواء من خلال الانقلاب الاخواني بتغيير رؤساء تحرير الصحف القومية، او السطو على السلطة التشريعية وضمها الى السلطة التنفيذية بيد الرئيس، الامر الذي لم يحدث في كل تاريخ جمهورية مصر العربية، او سواء لجهة السيطرة المطلقة على اعمال تأسيسية الدستور، واستبدال المحافظين ووقف بعض الفضائيات واستدعاء رؤساء ومالكي بعض الفضائيات للقضاء.ما يهم الولايات المتحدة، ليس مسألة حقوق الانسان، او معايير العدالة، ولا الديمقراطية او المدنية لدى اي نظام تابع، ما يهمها اساساً هو السياسة الخارجية لهذه الدولة او تلك ارتباطاً بمصالحها، وثيقة الصلة بالمصالح الاسرائيلية.