أوباما يزعج نتنياهو بتمزيقه القناع عن حقيقة مواقفه

بقلم: 

تنتهي قريبا مهلة الشهور التسعة الـتي أعطيت للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية من أجل التوصل إلى حل نهائي للنزاع أو على الأقل التوقيع على اتفاقية إطار. ومن الواضح أن شيئا من هذا لم يحدث حتى الآن رغم كل ما أشيع من أنباء حول تسليم أميركا مسودة اتفاق للمسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين في واشنطن. ومن شبه المؤكد أن التحذيرات السوداء حول ما سوف يحدث إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لن تتحقق على الأقل في زمن قريب لاعتبارات أهمها أن العالم من جهة والطرفين نفسيهما من جهة أخرى مشغولون بأمور أشد سخونة.

غير أن هذا الانشغال لا يغني البتة عن الحاجة لتوقع ما يمكن أن يحدث حتى لو كان على نطاق أضيق. ومن الجائز أن مقابلة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع وكالة بلومبرغ وفرت شيئا من الوضوح حول الموقف الأميركي. إذ أظهرت المعطيات أن جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري للضغط على الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لإبرام اتفاق لم تثمر، على الأقل حتى الآن، الاتفاق المطلوب. فالرئيس الفلسطيني محمود عباس ظل حتى اللحظة الأخيرة يرفض الاعتراف بيهودية الدولة التي تعتبرها حكومة نتنياهو شرطا لأي اتفاق، مثلما أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ظل حتى آخر لحظة يرفض مناقشة موضوع القدس أو حتى تجميد الاستيطان.
ويبدو أن إسرائيليين كثرا دهشوا من موقف الرئيس أوباما، الذي لا يكن أغلب الإسرائيليين له ودا ولا يثقون به أصلا رغم كل ما فعل لإسرائيل. وقد هالهم أنه في مقابلته الصحافية، وخلافا لما تشيعه أوساط رسمية إسرائيلية، شدد بشكل شبه صريح على أن العائق أمام التسوية هي الحكومة الإسرائيلية ورئيسها. لذلك كانت أغلب التحذيرات في مقابلة أوباما موجهة نحو إسرائيل سواء لاعتبارات دولية أو لاعتبارات ديموغرافية. وقد لخص أوباما موقفه بالإعلان عن أن الزمن لا يعمل لحساب إسرائيل التي تبدد وقتا ثمينا وتجعل كل اتفاق مستقبلي أكثر صعوبة بشكل متزايد عبر ما تفرضه من وقائع استيطانية على الأرض.
ومع ذلك فإن إسرائيل راهنت حتى وقت قريب على أنها سوف تنجح في دفع وزير الخارجية الأميركية للسلطة الفلسطينية لتفجير المفاوضات عبر مسلسل الضغوط الذي بدأ بالترتيبات الأمنية في غور الأردن ولم ينته بالقدس بعد أن مر تقريبا في كل المحظورات. وقد سمع الجميع تقارير، حتى من مصادر مثل مارتين إينديك والسفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو، عن بنود في الورقة الأميركية مثل الاعتراف بيهودية الدولة واشتراط التعويض على المهاجرين اليهود من الدول العربية رغم التأكيد على أن حل مسألة اللاجئين الفلسطينيين لا يتضمن حقهم في العودة إلى ديارهم. لكن مقابلة أوباما مع جيفري غولدبرغ بينت على الأقل أن رهان إسرائيل لم يكسب. بل ان الخارجية الأميركية اضطرت لإصدار توضيح مؤخرا يفيد بأن أميركا تعترف بإسرائيل كدولة يهودية لكنها لا تعتبر هذا الاعتراف شرطا لأي مفاوضات.
ومن الجائز أن هذه التطورات كانت وراء اندفاع نتنياهو لإجراء سيل من المقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية وهو أمر لم يفعله منذ أكثر من عام. وبدت أقواله في هذه المقابلات موجهة لإثبات أنه طوال شهور المفاوضات لم يحدث أي تقدم بسبب إصراره على تأمين أمن الإسرائيليين وعدم تفكيك المستوطنات وأيضا عدم تقسيم القدس. ولم يجد في محاولة إثبات ذلك أي مساس بمكانته كرئيس حكومة ليس هدفه تحقيق السلام وإنما المحافظة على ما لدى إسرائيل من ذخائر حتى اللحظة.
وشدد نتنياهو على أنه سبق وتم تجميد الاستيطان "لعشرة شهور، ولم تثمر شيئا. فنحن لسنا ملزمين بالقبول بالموقف الأميركي التقليدي بشأن المستوطنات". وواصل توجيه الاتهامات للرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تساءل حول ما إذا كان شريكا بعد أن كان نفى أن يكون شريكا في "رقصة التانغو" التي يؤديها مع الولايات المتحدة. وقال في إحدى المقابلات الأخيرة: "أين الفلسطينيين؟ وهل تزحزحوا ميلمترا واحدا عن مواقفهم التقليدية لتسهيل إبرام اتفاق؟ إن السؤال حول ما إذا سيكون اتفاق أم لا ينبغي أن يوجه أولا للجانب الفلسطيني؟" وأضاف: "أريد التوصل إلى تسوية، ولكن هل أبو مازن شريك فيها؟"
وتفاخر نتنياهو بأنه لم يخضع للضغوط ولا الانتقادات و"أنني أتمسك بالمواقف التي أؤمن بها بعزم وإصرار. لن يفيد أي ضغط". وفي هذا السياق شدد على الموقف من القدس مبينا أن "هذه المدينة ليس فقط أنها لن تقسم، بل أنها سوف تبقى موحدة تحت السيادة الإسرائيلية".
ورغم ذلك هل فقد نتنياهو الأمل بأميركا؟ من الواضح أن شيئا من هذا لن يحدث. فبوسع نتنياهو أن يرفض التوافق مع احتياجات السياسة الأميركية وبوسعه الاختلاف مع هذه السياسة والتناقض معها وهو ما لا يغير من الواقع شيئا. ولذلك فإنه طالب الرئيس أوباما عند لقائه الرئيس الفلسطيني في 17 الشهر الجاري بممارسة الضغط على أبي مازن من أجل تمديد المفاوضات ولعام آخر.
ويلخص نتنياهو عموما موقفه من اتفاقية الإطار التي يجري الحديث عنها موضحا أنها ليست اتفاقية ولا تشكل إطارا. وفي نظره فإن "هذه وثيقة أميركية تحوي اقتراحات للمفاوضات يمكن للطرفين التعليق عليها. وهي ليست وثيقة إسرائيلية، وبالتأكيد يمكن أن تظهر فيها أمور لا تقبلها إسرائيل وستتحفظ عليها. ولكن هذه الورقة، إذا كانت ستقدم فعلا، هي برنامج نقاش لإعادة فتح المفاوضات، المتوقع أن تستمر عاما إذا وافق الفلسطينيون في نهاية المطاف على دخول المفاوضات. ليس بوسعي قول ذلك بشكل مضمون، فهم لا يبدون حتى الآن إشارات لذلك".
عموما نتنياهو ليس مستعدا لتقديم تنازلات، كل ما هو مستعد له هو الدخول في مفاوضات وهو يرى ذلك تنازلا لأن الطرف الفلسطيني متصلب لأن "هذا الاستعداد غير متوفر عنده". ومع ذلك يصعب توقع استمرار رفض الفلسطيني للمفاوضات في ظل واقع إقليمي ودولي معقد يجد نفسه فيه مضطرا لاستمرار لعبة المفاوضات حتى إن كانت نتائجها عكسية. فالخيارات الأخرى في نظر السلطة الفلسطينية محدودة جدا ونتائجها ليست بالضرورة أفضل كثيرا.

السفير