حلم خلق المستقبل!

بقلم: 

من مأثورات المفكر الفرنسي فيكتور هوجو ليس هناك افضل من حلم لخلق المستقبل.وأتذكر كلمتى مارتن لوثر كنغ التي وضعت الأمريكيين الزنوج على طريق المساواة الكاملة "لي حلم". وثقافة الحلم حثنا عليها الله في كتابه العزيز ، وفى سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي مرتبطة بالإنسان، وبالتالي فان المعادلة البشرية تقوم على إنسان يساوي حلما. وثقافة الحلم ليست ثقافة إتكالية غيبية سلبية ، بل هي ثقافة مبدعة ، ومنتجة ، ودافعة للعمل وإعمال العقل ، وإتاحة الفرصة له لكي يبدع وينتج، ويعمل حتى يصل إلى الحلم والهدف الذي يريد. وهي رديف التقدم والتطور على نقيض التخلف والتراجع.

ولا تعني ثقافة الحلم رفع الأيادى للسماء والتضرع لله أن يحقق لنا ما نريد، أو أن يخلصنا من أعدائنا ، او أمورا كثيرة نسمعها وأحيانا نرددها بدون وعي ، وهذا يتناقض مع روح الدين وجوهره، فلماذا خلق الله الإنسان ؟ ولماذا أعطاه ومنحه العقل؟ ولماذا أرسل الرسل والأنبياء بالكتب المقدسة هداية للناس أجمعين ؟

كل هذا من أجل أن ينطلق الإنسان بعقله ويحلق في عنان السماء يحلم بما يريد.يتأمل و يبتكر ويخترع ، ويضع الحلول لكل التحديات والمشاكل التي قد تواجهه .

والحلم له مستويات كثيرة على المستوى الفردي بان يحلم الإنسان بان يكون مثلا طبيبا أومهندسا أو طيارا، وهذا الحلم الذي عشنا فيه جميعا ، وهو حلم ألأب وألأم لأبنائها. ولا يكفى الحلم عند هذا المستوى فيقوم ألأب على توفير البيئة ألأسرية لأبنائه ليحققوا احلامهم، وفى الوقت ذاته يقوم الطفل الذي يولد ومعه الحلم بالحياة بإعداد نفسه لما يريد.

والمستوى الثاني للحلم على مستوى المجتمع وهو الحيز الأوسع ويحتاج إلى جهد الكل لتحقيقه كأن نحلم بان تكون لدينا مدينة نظيفة خاليه صالحة للحياة ، ونحلم بان يكون لدينا مدارس ومستشفيات متقدمة إلى آخر هذه الأحلام التي لا تنتهي .

والمستوى الثالث على المستوى الرسمي مستوى الدولة والنظام السياسي بان نحلم أن يكون لدينا حاكم صالح، ونموذج وقدوة في سلوكه وهنا قد تبرز نماذج الحكام في تاريخنا الإسلامي وغير الإسلامي وعلى راس هذه القدوة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ألم يكن إنسانا وقدوة في كل سلوك وتصرف؟ وأن نحلم أن يكون لدينا نظام سياسي ديموقراطي تسوده العدالة والحرية والمساواة بين كل مواطنيه وأبنائه دون تمييز على أساس من العرق والجنس واللون، وان نحكم بسيادة القانون وليس بقوة السلاح والأساليب القمعية الوحشية.

والحلم في الرخاء الإقتصادي ومحاربة الفقر ، وتوفر الفرص والعمل لكل شاب، وهل الهند واليابان وماليزيا ودولة الإمارات ونموذجها دبي وأبوظبي بعيدة عن هذا الحلم؟ من الذي صنع اليابان القوية والمتقدمة أليس الإنسان الياباني بعقله؟ والصين ليست بعيده عن هذا الحلم.

والمستوى الرابع للحلم المستوى الإنساني والكوني وهنا يبرز الحلم في السلام والأمن والعدالة بين جميع الشعوب، اليست الأمم المتحدة حلما حلم به السلاميون والفلاسفة والسياسيون والمفكرون الذين سعوا للسلام وإنقاذ البشرية بعد حربين كونيتين؟ وعلى هذا المستوى تتعدد الأحلام من نزع السلاح المدمر والسلاح النووي ومحاربة الإرهاب والتطرف، والتلوث البيئي ، وغير ذلك. وهذه الأحلام هى التي تقف وراء الجهود التي تبذل من اجل التكامل والتعاون بين الدول ، وهي التي تقف وراء إنشاء المنظمات الإنسانية.

ولولا هذه الأحلام العالمية ما جاءت إلينا الوفود الإنسانية ، والمتضامنون مع الشعب الفلسطيني ، وما قدموا أرواحهم وسالت دماؤهم على أرض فلسطين مثل الفتاة الأمريكية راشيل التي سحقتها دبابات الإحتلال الإسرائيلي . اليس هو الحلم في تحقيق الحرية لجميع الشعوب المقهورة تحت الإحتلال والظلم؟

هذه المستويات الأربعة من الأحلام متكاملة وكل منها يقود للآخر، وبتكاملها تكتمل الإنسانية . ولنا نحن الشعب الفلسطينيي أن نحلم بإنهاء الإحتلال الإسرائيلي البغيض وقيام الدولة الفلسطينية ، ونحلم بتحقيق المصالحة الحقيقية .

والأحلام فلسطينيا متعددة ومتنوعة بفرصة عمل بسيطة ، وبحياة آمنه مستقرة . وبالتنقل بدون منافذ الإذلال التي تقيمها إسرائيل على الأرض الفلسطينية .

نحلم بان يكون لدينا نظام سياسي ديموقراطي متقدم نباهي به النظم الأخرى . وعلى مستوى غزة ولماذا غزة ؟ لأنها من أكتوت بثلاثة حروب في ست سنوات ودفعت ثمنا باهظا من حياة أبنائها وأطفالها . نحلم إن لا تعود الحرب، ونحلم برفع الحصار، ونحلم أن يكون لدينا ميناء بحري ومطار جوي ، وعلاقات منفتحة وحميمة مع كل الشعوب والدول المجاورة ، ونحلم لغزة ومن حقنا أن نحلم بان تكون نموذجا للتقدم والتنمية والتطور الحضاري والتعليمي والتكنولوجي ، فعقول الشباب فيها من القدرة على الإبداع ان يجعلوا منها واحة للتقدم والتطور في سياق الحلم الفلسطيني العام. وأن لا تتحول ثكنة عسكرية ، ولا ملاذا للتطرف والتشدد، نحلم بغزة ألآمنة الهادئة التي تحميها مقاومتها وشبابها وأبناؤها ، نحلم بغزة الكل وليس الجزء، وكما لدينا الحلم الفلسطيني ، لدينا الحلم العربي ، ويبقى أن يتحقق الحلم لنصنع مستقبلا أفضل لطفالنا من بعدنا.

وأخيرا سالني احد المواطنين في غزة وأنت ما هو حلمك؟ قلت وبكل بساطة أحلم بحلم بسيط لا اعرف متى يتحقق بجواز سفر يحترم في المنافذ البرية والبحرية والجوية في دول العالم ، جواز سفر يعيد لدي الكرامة الوطنية ويحول دون نزوح وهجرة الشباب الفلسطيني لأرض غير أرضهم ، لكنهم يجدوا فيها ما لا يجدوه على أرضهم من أمن وآمان وحلم بالمستقبل.

أريد حلما للمستقبل لفلسطين وغزة وللعرب والمسلمين جميعا ، حلما نشترك فيه.

أعرف في النهاية أن هذا حلم، لكن يبقى من حقي ان أحلم، وأن أحتفظ بهذا الحلم بعيدا عن عيون من يلاحقوا احلام المستقبل. لقد حققت الدول نهضتها بان كان لها حلم في خلق المستقبل.