محققو تماس

محققو تماس

ما زالت احداث يوم القتال ذاك في مداخل خانيونس تثير التأثر في العاملين في الوحدة 504. حدث ذلك في اليوم السابع من العملية البرية في الجبهة المركزية في القطاع، فقد كانت قوة من المظليين في مهمة عثور على عيون انفاق وانفاق في منطقة مدنية مكتظة، قد سيطرت في المساء قبل ذلك على مواقع تتحكم بالمنطقة. وفي وقت قريب من ساعات الظهر المبكرة لوحظ ثلاثة مقاتلين من حماس خرجوا من أحد البيوت. لم تدع القوة النارية التي أمطروا بها لهم أي احتمال للنجاة فقتل الثلاثة.

وتبينوا وجود عين نفق في المبنى الذي خرجوا منه فاستقر رأي قائد السرية على الاستمرار على تمشيط المنطقة لكنه أبقى خلية تراقب عين النفق اذا ما خرج منها مخربون آخرون. ويبين محققو الميدان من الوحدة أنه ليس من المفهوم من تلقاء ذاته ألا تهاجَم عين نفق فورا. يقول ر. وهو من العاملين في الوحدة 504 كان يعمل في تلك الجبهة: «ذاك مكان يخرج منه مخربون يمكن أن يعرضوا مقاتلينا للخطر، فلماذا يُترك سالما؟ إن تفجيره هو الاسهل. لكنني بصفتي محققا ميدانيا ومسؤولا عن استخراج معلومات استخبارية تكتيكية من معتقلين يعتقلون في اثناء القتال، أفكر خطوة الى الامام. لأنه اذا كان خرج من عين النفق ثلاثة مخربين فلماذا لا يخرج منها مخربون آخرون؟ واذا خرج آخرون فليس من الواجب بالضرورة أن يقتلوا في معركة، بل من الممكن التحقيق معهم واستخراج معلومات منهم تساعد قواتنا فيما يلي من القتال».

وهكذا بقيت قوة صغيرة تراقب العين في حين استمر اكثر السرية على التمشيط. وكان في الخلف من ذلك اصوات اطلاق نار وانفجارات، وكانت اجهزة الاتصال تجلجل فيها اصوات القتال، لكن الخلية المضاءلة لم تصرف نظرها عن منفذ الخروج وكانت تنتظر. ومر نصف ساعة وساعة وساعتان منذ كانت المعركة مع رجال حماس الثلاثة. وفي الساعة الثالثة اصبح مقدار التوتر كبيرا لم يضعفه الزمن الذي مر، وهنا برز من داخل عين النفق شخصان.

تظهر في البدء الرؤوس فقط وبعدها نصف الجسم. ويمكن أن يُرى من خلال ركام المبنى الذي وجدت فيه القوة أن أيديهما مرفوعة الى اعلى بعد أن طرحا سلاحهما ارضا. ويبين ر.: «يوجد مفهوم مخرب مسيطر عليه، ويحدث ذلك حينما تتفوق عليه من جهة موقع المراقبة وتسدد السلاح إليه، فأنت في منطقة محصنة وهو ليس كذلك، وأنت تسيطر عليه بعينك ايضا، وهو يعلم أنه في كل لحظة يحاول فيها أن يتذاكى تستطيع أن تقتله.

«وكان أول شيء أن أوصيت قائد السرية ألا يطلق النار على المخربين ولا يقتلهم، فهو يراهم تهديدا لكن المحقق الميداني يراهم مصدر معلومات. وبعد ذلك أحصل على إذن بالحديث اليهما. وصحت بهما مبينا لهما أنهما محاصران وأنه لا أمل لهما في مواجهتنا، وأمرتهما بالخروج ببطء وأن يقفا في مكان يمكن فيه أن نراهما رؤية كاملة، وطلبت حينها أن يتجردا من لباسهما وأن يبقيا بلباسهما الداخلي فقط. كانت الكثرة الغالبة من المخربين الذين خرجوا من عيون الانفاق مقاتلين منتحرين ولذلك كنا نتحقق من عدم وجود عبوات تفجيرية عليهم. وقف كلاهما عاريا باللباس الداخلي فقط وأيديهما الى أعلى وهنا يبدأ عملك وهو التحقيق الميداني».

 

جفعاتي والسبعون غزياً

 

إن الوحدة 504 أو باسمها الحديث «فيلق الاستخبارات البشرية» من اكثر الوحدات سرية في الجيش الاسرائيلي. وتلتقط الصور للعاملين فيها دائما من الظهر في احسن الحالات، ولا تذكر اسماؤهم إلا بحرف واحد اذا ذكرت أصلا. ونقعد في المكان الوحيد الذي يكون مناسبا لهذا النوع من اللقاء لمقابلة جنود الوحدة وقادتها وهو غرفة في مركز التراث الاستخباري في غليلوت. وتقعالقاعدة الوحيدة خارج النطاق بالنسبة لأمثالنا.

يراوح نشاط الوحدة السري بين محورين وهما تجنيد واستعمال عملاء في اراضي يهودا والسامرة وفي دول معادية تحاذي اسرائيل، والتحقيق مع الاسرى في الحياة العادية وفي الحرب. وتقاسم العمل مع جسمي جمع المعلومات الآخرين الموساد و»الشباك» جغرافي، فالموساد يعمل في اماكن أبعد و»الشباك» في اماكن أقرب وتعمل الوحدة 504 في الوسط.

لقد اصبح هذا الوسط مركبا ومعقدا وبخاصة بازاء التغييرات في منطقتنا. إنلبنان وحزب الله جُذبا من الفوضى السورية لكن سجل في الاونة الاخيرة تأهب ما على الحدود مع بلاد الارز، وليست حدود الجولان هادئة ايضا بعد أن سيطرت منظمات متمردين على مناطق في الجزء السوري من هضبة الجولان بدل جيش الاسد. لكن العقيد ع. قائد الوحدة 504 يوافق على أن يصوغ جملة غير واضحة واحدة فقط لها معان كثيرة فيما يتعلق بالاحداث في الشمال وهي قوله: «التطورات حولنا تتحدى كل الجهاز الامني».

ويقول ذلك من لا يجلس مرؤوسوه في مقاعد وثيرة في مكان مكيف محصن والسماعات على رؤوسهم وقوارير الشراب البارد في متناول أيديهم. وتحتاج الاستخبارات البشرية التي تسمى «يومنت» بخلاف «سيغنت» التي تعتمد على التقنية الى لقاء مع بياض العيون، وتنطوي تلك اللقاءات على احتمال خطر كبير ولهذا يخطط لكل لقاء بين مستعمل وعميل وكأنه عملية تامة الاركان. وقد عرفت الوحدة في حزيران 2001 مبلغ كون العمل خطيرا حينما فقدت المقدم يهودا أدري الذي كان أحد مستعملي العملاء الاسطوريين في تاريخها. كان أدري ينتظر آنذاك في سيارته على جانب شارع الانفاق في منطقة بيت لحم، متعاونا من الضفة كان يستعمله. وكان في السيارة حارسان لكن الفلسطيني نجح في المباغتة فأخرج مسدسا واطلق النار على قلب مستعمل العملاء. وبدأ مطلق النار الهرب لكن أحد الحارسين أفاق من صدمته وطارده ونجح في القضاء عليه. واصبحت تلك اللقاءات منذ ذلك الحين عمليات حراسة معقدة يخطط لأدق تفاصيلها.

إن المادة الاستخبارية التي يجمعها المحققون مع الاسرى بخلاف مستعملي العملاء، يتم الحصول عليها في اثناء القتال. «يكون معظم جهد الوحدة وقت القتال في مجال التحقيقات الميدانية لأنه يصعب استعمال العملاء في هذه الاوقات فهم يخشون التجول»، يبين العقيد ع.، «المعلومات التي يستخرجها المحققون من الاشخاص الذين يعتقلهم المقاتلون في مناطق المعارك يمكن أن تنقذ أرواحا وأن تغير خطط هجوم أو دفاع. وتتم التحقيقات في الميدان، في بيوت سيطر الجيش الاسرائيلي عليها تحت اطلاق النار احيانا. واذا كان الاسير مطلعا على معلومات استخبارية محتملة ينقل للاستمرار على التحقيق معه في البلاد».

يقول المقدم هـ. رئيس فرع التحقيق في الوحدة الذي سيعين قريبا نائبا لـ ع.، إنه لا بديل من اللقاء الشخصي في عمل جمع المعلومات الاستخبارية. ويقول إن استعمال العملاء والتحقيق مع الاسرى في الميدان هما اساسا جمع المعلومات البشرية السرية الميدانية. «يوجد الكثير من المجسات في المجال لكن اليومنت هو الذي يعطي الصبغة والرائحة آخر الامر، وأنت تستطيع بالاتصال بالشخص فقط أن تعرف اشياء ليس من المحتمل أن تعرفها بالجمع التقني للمعلومات. وكان هذا الادراك موجودا دائما، وأذكرك بأن يوشع بن نون استعمل شبكة جواسيس. ولم يفِ الجميع بالمهمة التي أوكلها اليهم في الحقيقة، لكن ذلك كان البدء».

دخلت الوحدة 504 المعركة في غزة مع قوة احتياط فاعلة جندت قبل ذلك لعملية «عودوا أيها الاخوة» في الضفة. يقول القائد ع. «كل المحققين مع الاسرى في الوحدة رجال احتياط. وقد جندناهم في البدء كي ينضموا الى القوات التي كانت تبحث عن الفتيان الثلاثة المخطوفين. وانتقل اولئك الاشخاص وهم بضعة عشرات من عملية الى عملية اخرى وأتموا خدمة احتياطية متصلة بلغت 50 – 60 يوما».

إن غزة لا توجد ألبتة في الايام المعتادة على خريطة الوحدة 504، فالشباك هو المسؤول عن تجنيد عملاء في القطاع لاستعمالهم. لكن جنود الوحدة زمن الحرب يعملون في كل منطقة تجري فيها معارك، ويستخرجون معلومات استخبارية من الاشخاص الذين يعثرون عليهم في الميدان. «لأننا لا نعرف القطاع من النشاط الجاري، انحصر جهدنا في التحقيق مع المعتقلين الذين اعتقلتهم القوات المقاتلة»، يقول ع.، «وقد ضُم محقق منا الى كل قوة عملت هناك، وكلما زاد دخول القوات الى المناطق المأهولة اصبح الاحتكاك المباشر اكبر».

خدم احتياطيو الوحدة الاستخبارية الخدمة النظامية كمقاتلين. ويُلحق كل واحد منهم اليوم بكتيبة مقاتلة اخرى ويتدرب معها استعدادا للحرب. «يمثل محققي في التدريبات تحقيقات كي يعرف قائد الكتيبة والضباط والمقاتلون قدراتهم»، يقول المقدم (احتياط) أ، ابن الـ 52، وهو قائد كتيبة المحققين الميدانيين في الوحدة 504 في اوقات الطواريء، ونائب المدير العام لشركة بيع بالجملة في الحياة المدنية.

مع من يحققون في التدريبات؟

«مع واحد من الفتيان من الوحدة يمثل دور أسير. ولا يكون المحقق يعرفه أصلا ولم توجد بينهما أي صلة في الماضي».

٭ هل تستعمل القوة على المعتقلين؟

٭ «لا أبدا لا يوجد شيء كهذا»، يقول المقدم هـ. «إن استعمال القوة في التحقيق الميداني لا يستخرج معلومات ولهذا فان التحقيق مهارة مكتسبة. يجب ان تعرف اللغة العربية معرفة عالية وأن تعرف اللهجات المختلفة وأن تكون ذا ذكاء عاطفي عال وقدرة على التواصل مع الآخرين. إن غربالنا ضيق جدا ولا يمكن أن تكون مندفعا قصير الفتيل. تخيل أنك تجلس مع رجل من حماس في خانيونس تحقق معه وقت القتال، فيقول لك بسبب ضغط قوي تستعمله عليه معلومة يظن أنك تريد سماعها، لكنها ليست الحقيقة بالضرورة. إن كل دقيقة تستخرجها منه يجب أن تُخرج عن رغبة في التعاون».

قضى ن.، وهو في الـ 34 من عمره، وهو محقق ميداني في الاحتياط ويدير مشروعا اعماليا في شركة كبيرة في الحياة المدنية، قضى ايام الحرب ملازما في لواء جفعاتي. «كنت في الخدمة النظامية في لواء الغور، جندي حواجز وكانت عربيتي عربية حواجز، وبعد تسريحي من الخدمة بسنين اتجهت الى دراسة اللغة بصورة خاصة. وقد أوصى بي الوحدة 504 شخص أعرفه وبعد أن جرت علي تصنيفات واختبارات نفسية بدأت الاعداد. لكن حينما تدخل الحرب تدرك مبلغ اهمية عملك. اعتقل جفعاتي اكثر من 70 غزيا وكان اكثر من نصفهم محقق معهم قيميون أي من اولئك الذين يقدمون معلومات فعالة».

اعطنا مثالا على معلومات استخبارية فعالة. كان ثمانية عسكريين جالسين في غرفة وكانت انظار سبعة منهم مركزة على فتاة هي ضابطة من قسم امن المعلومات. وكان هزها رأسها يمكن من استمرار الحديث أو يقطعه وكل ذلك يتعلق بالتعبير. بحيث كان ن. ينظر اليها وينتظر هزة رأسها وأجازت له بعدم رغبة ظاهر الاستمرار لكن بحذر.

ن.: «في احدى الليالي كان يفترض أن يدخل نائب قائد اللواء مع قوة الى منطقة جنوب خانيونس وجاء وقال لي إنه ليست عنده معلومات عن المنطقة التي يعمل فيها: معلومات عن عبوات ناسفة، وبيوت مفخخة ومواقع كمائن وقناصين ومواقع رقابة وعيون انفاق، وهذه تفاصيل يمكن أن تغير الخريطة الهيكلية للمهمة وتنقذ ارواحا. وجئنا بتلك المعلومات لرفاقنا الذين حققوا مع المعتقلين الذين اخرجناهم من الميدان الى موقع لنا في البلاد».

٭ ما هو ذاك الموقع؟

هـ: «انه موقع اعلم قبل القتال لتستعمله الوحدة وتم اعداده للمهمة في بداية العملية وقد جئنا الى هناك بحمامات ومراحيض ومطبخ وعيادة وكل ما يحتاج اليه».

ن: «لكن ليس كل من حققنا معه في الميدان اخرج من غزة الى موقع التحقيق في البلاد. ولاننا البالغون في الميدان ولاننا رجال خدمة احتياطية ندرك ان ليس ذلك لعبة اسود ابيض وان الواقع مركب من الرمادي ايضا. ونظرتنا الى السكان في الميدان مختلفة فهم ليسوا جميعا اعداء من وجهة نظرنا. وقد تحدثنا الى غير قليل من الفلسطينيين الذين علقوا في مناطق القتال لانهم لم يكونوا يعرفون مكانا يتجهون اليه لان حماس لم تدعهم يهربون، وقد حاولوا لكن المنظمة اغلقت شارع الهرب في الحي، أما اولئك الذين حاولوا الهرب في شارع آخر فضربوا بالهراوات أو اطلقت حماس النار عليهم».

«لكن من المهم ان ندرك»، يريد أ قائد الكتيبة ان يؤكد «اننا قمنا آخر الامر بقتال في منطقة مدنية مكتظة بحيث لا يحتمل ان يكون المدنيون هناك غير عارفين بالبنى التحتية التي انشأتها حماس، فليس من المحتمل ان تحفر عين نفق داخل مسجد ولا يعرف الجمهور ذلك. ولهذا فان السكان مطلعون اطلاعا كبيرا على معلومات استخبارية».

 

شباح وقميص وقيد

 

من الصور التي تتذكر من ايام النشاط البري خلال عملية الجرف الصامد صورة التقطت في منطقة القطاع يظهر فيها نحو من عشرين شابا محليا لا يلبسون سوى اللباس الداخلي وايديهم على رؤوسهم. وقد اعتقل 190 اسيرا في الحاصل العام في العملية يفضل الجيش الاسرائيلي ان يسميهم «موقوفين» لانهم لا ينتمون الى جيش نظامي لدولة معادية. وأخذ 150 منهم مثل اولئك الشباب في الصورة المشهورة ليحقق معهم في موقع التحقيق الذي انشأته الوحدة في مكان ما جنوبي البلاد وبقي عشرات منهم – ولا يذكرون في الجيش عددا دقيقا – يعتقلون في اسرائيل. ونقلوا ليعالجهم الشباك.

«ان حقيقة ان اكثر المحقق معهم ابقوا في الميدان أو اعيدوا الى غزة بعد التحقيق معهم في الموقع في البلاد تشهد بموضوعية»، يقول أ. «فنحن لم نبحث عن ان نرسل الرجال عبثا الى السجون بل حققنا واستخرجنا معلومات استخبارية وجهت الى القوات الميدانية واطلقنا سراحهم ليعودوا الى بيوتهم».

ويتحدث ر. ابن الـ 44 وهو مدير عام لشركة أثاث في الحياة المدنية عن ان كل تحقيق يبدأ بفحص امني. «نفحص قبل كل شيء عن انه لا يوجد على المعتقلين عبوة ناسفة. ونربط على عيونهم شباحا أو قمصانهم مع الايدي مقيدة الى الخلف ونبحث عن مكان آمن كمبنى لم تصبه قذيفة وهو يقف سالما تقريبا. ومن المهم ان نعزلهم عما يحدث في الخارج كي لا يخشوا ان يروا وهم يقادون الى التحقيق، ونجلس معهم كما نجلس الان بيد انني امسك بدفتر وقلم ومن الخلف على مسافة آمنة يحرسك المقاتلون فهم معك لكنهم ليسوا جزءا من المشهد. وهذا ما يسمى تحقيقا اول وتحاول ان تستخرج من المحقق معه علما بالتهديدات في المنطقة التي توجدون فيها كعيون انفاق وقناصين أو مواقع مفخخة وعبوات ناسفة».

وماذا يحصل اذا لم يتعاونوا؟

«حاول لحظة ان تدخل المشهد، انها حرب تسمع فيها من كل صوب اصوات اطلاق النار من جميع الانواع.

وانت تجلس الى شخص ما كان يعتقد منذ لحظة ان موته وشيك وربما اراد ان يموت، فالحديث الى ذلك عن شخص تم تدريبه واستعد استعدادا طويلا لقتلك.

فانت عدوه ولذلك يكون في وضع نفسي قاسي ويكون خائفا. ومهمتك ان تحوله من وضع وعي من كان يعتقد قبل لحظة فقط انه ماض الى موته الى وضع وعي من انتهت الحربة بالنسبة اليه وانه لن يموت».

٭ وكيف تفعلون ذلك؟

«نهدئ جأشه ونبين له انه في ضائقة لكن ننظر اليه ونقول له انكما الاثنين ستخرجان من هذه الضائقة معا وانت لا ترفع صوتك بل تتحدث بهدوء وتهتم بأن يكون مركزا وتبين له الوضع رويدا رويدا وتسأله عن اسمه واسم عائلته واسمي والديه. واذا لم تكن قادرا منذ اول لحظة على تهدئة جأشه واشعاره بأنك الصديق والوالد والاخ في هذه اللحظة الفارقة فلن تنجح في استخراج شيء منه، ونحن نسمي هذا عندنا الاتيان بالمحقق الى «وضع قبلة» وهو الوضع الذي يختار فيه بمبادرته التعاون وان يتحدث بصورة حرة جراء الشعور الطيب الذي تمنحه اياه».

هل تحدث الاثنان اللذان خرجا من عين النفق في خانيونس؟

«كثيرا. وتعال نقل انه يوجد اليوم مظليون ظلوا احياءا بفضل المعلومات التي تم استخراجها من اولئك الاثنين، فقد استخرجنا منهما معلومات عن مجموعة مباني كانت قوة من اللواء توشك ان تدخلها مع ابواب مفخخة وفي ضمن ذلك ايضا السبيل التي تلتف عليها، ولم تكن القوة عارفة بما سيقع. واستطيع ان اقول بيقين انه لو لم تات تلك المعلومات لقتل منا آخرون لان قوات اخرى دخلت مجموعة مبان مفخخة اصابتها خسائر قاسية جدا».

٭ ماذا كان انطباعكم عن رجال حماس الذين اعتقلتموهم؟

ر. «فوجئت. لم اكن اعلم انهم اذكياء بهذا القدر، فمن المعتاد ان نظن في المخرب انه خريج ثماني سنوات دراسية او عشر في احسن الحالات، وانه ابكم متطرف غارق في الكراهية، لكنك تجلس بازاء شخص كاحد هذين اللذين خرجا من عين النفق في خانيونس ويتبين لك انه انهى الدراسة في معهد وتعلم مهنة توسع العلم وانه تدرب سنتين تقريبا بالانضمام الى حماس وانه يجري في كل مساء على شاطئ البحر وكان يرفع الاثقال وانضم الى قوة صاعقة خاصة. ولغته مستواها عال ويحدثك ذلك الشاب عما يحدث في غزة لكنه عالم بما يحدث في العالم خارج غزة، وتسمع منه ايديولوجية قاسية لكنه يظهر انفتاحا ايضا وكان ذلك جذابا لي».

ويقول أ. قائد الكتيبة إن مستوى رجال الذراع العسكرية من حماس قد تحسن منذ لاقوهم آخر مرة في عملية الرصاص المصبوب قبل خمس سنوات ونصف. «الحديث اليوم عن مقاتلين ذوي مستوى مختلف تماما وليست هذه قصيدة مدح لحماس لكنهم مروا بمسارات استخلاص دروس وتطوير القدرة القتالية، وليس الحديث عنهم جميعا لكن عددا من الاشخاص الذين حققنا معهم هم اشخاص نوعيون وقدرتهم على القتال والبقاء مدهشة، فقد انفقوا عليهم اعدادا عسكريا وايديولوجيا عظيما واشتمل ذلك على اعداد عسكري لدول معادية».

ر. «اعود الى الاثنين اللذين خرجا من عين النفق.

سألت خريج المعهد عن الوقت الذي قضياه هناك في الاسفل فاجاب انه اسبوعان، كانا ينامان مدة اسبوعين في فرش ميدانية يأكلون التمر ويشربون الماء وقال لي انهما كانا قادرين على البقاء على هذا النحو في اسفل فترة طويلة شهرا ونصف على الاقل. فقد دربوهم على الانتظار في صبر الى أن تجتاز قواتنا خط عيون انفاقهم وحينها يخرجون لمهاجمتنا من الخلف».

٭ فلماذا خرجا اذا مرفوعي الايدي؟

«ربما لانهما رأيا ما حدث لرفاقهما الذين خرجوا قبلهما ببضع ساعات وقررا أنهما لا يريدان الموت. وقضيا بضع ساعات في اسفل ليترويا في التفكير واختارا الخروج من الحرب حيين».

٭ هل انطبع في ذهنك انهما يكرهوننا؟

«لم اسال ولم يقل لي احد انه يكرهني لكن اجل انهما يرياننا اعداء.

وقال لي احدهما انه لا خيار له وانه يجب ان يجد مصدر رزق وهذا هو العمل الذي وجده».

٭ هل في الذراع العسكرية؟

«اجل، ان المقاتل في الذراع العسكرية لحماس يعتاش من ذلك. وقال لي ذلك الشاب انه كان في البداية في موقع مراقبة وتابع بعد ذلك ليصبح مقاتلا، فهو يعمل في هذا العمل بصورة دائمة ويكسب 120 شيكل كل يوم وهذا مبلغ لا بأس به في القطاع، ويستعمل المراقبون في وظائف جزئية تدر عليهم من 30 – 60 شيكل لكل يوم عمل».

٭ من يصدر الامر؟

ان الخطر المصاحب للعمل الملازم لكتائب المقاتلين جبى من الوحدة 504 ثمنا في عملية الجرف الصامد. ففي 21 تموز قتل بتبادل اطلاق نار جنوب خاني ونس الرائد اوهيد شيمش الذي كان في الـ 27 وهو محقق ميداني ضم الى كتيبة المظليين.

وفي معركة حدثت في الوقت الذي كانت فيه القوة تنتقل من بيت الى بيت جرح ايضا 13 ضابطا وجنديا وقتل 9 مخربين فلسطينيين.

يقول ر. الذي تولى قيادة كل المحققين الميدانيين الذين انضموا الى اللواء الاحمر ان المعلومات التي جمعها شيمش في القتال كانت مهمة واستعملت لاعلان اهداف لسلاح الجو. «في احد الايام لاحظت قوته خلية كانت توشك ان تطلق قذيفة صاروخية على اسرائيل وهي في مرحلة تنظيم نفسها»، يقول، «وبالطبع اراد الرفاق ان يطلقوا النار عليهم ويقضوا عليهم لكن اوهيد اقنع قائد السرية واصر على ذلك حقا بالا يقضوا عليهم برغم ان ذلك احتاج من الجنود الى تنفيذ عملية تطويق لجعلهم يستسلمون.

وقد ادرك ما تنطوي عليه المجموعة من معلومات استخبارية، وقد منحه اعتقالهم معلومات كثيرة لم تكن عندنا، فقد استخرج اوهيد منهم معلومات عن 15 نقطة اطلاق صواريخ وهي معلومات نقلت فورا الى سلاح الجو الذي حسم الامر في خلال دقائق وقصف تلك النقاط. وفهمنا من المخربين كيفية استعداد حماس في تلك المنطقة واين يوجد المراقبون وما هو السلاح الذي يحملونه، وفهمنا طريقتهم ايضا: المسافة التي يقفون فيها عن آبار اطلاق الصواريخ المدفونة وينتظرون فرصة الخروج لالقام قواعد الاطلاق بالقذائف الصاروخية وكيف يتجولون في الميدان ومن يصدر اليهم اوامر الاطلاق وبأية وسيلة – هل بالهاتف أم بجهاز اتصال».

ويقول أ. «هل ترى ان الوحدات الاستخبارية غير الموجودة في الميدان تستطيع الاتيان بمثل هذه المادة؟ قد يستطيع اولئك الذين يجلسون والسماعات على رؤوسهم اعتراض مكالمة نستدل بها على نقطة اطلاق صواريخ واحدة، فالحديث هنا عن رجل ميداني من الوحدة 504 جاء بمعلومات استخبارية عن 15 نقطة. وما نقوله هو انه مع كل الاحترام لوسائل الرقابة المتقدمة ولتقنية الهاي تيك المتقدمة، لا بديل عن العامل البشري.

وانت تستطيع حينما يوجد محقق معه أو عميل ان تسأله اسئلة وان تحادثه وان تفهم ما هي خبيئة الامر. وانت تسمع بالتنصت شيئا ما ويكون عندك مكان للتأويل لانه ليس كل شيء مفهوما. اما شيمش فجاء بمعلومات لم تحتج الى تاويل».

يديعوت