سياسة أمريكية بدون مفاعيل

بقلم: 

من الجدير الأشارة إلى أن البيت الأبيض أصيب بخيبة أمل كبيرة في أعقاب إنتهاء الأنتخابات الاسرائيلية التي توجت الليكود واليمين الاسرائيلي مرة ثالثة على التوالي في سدة الحكم وزعامة السلطة، حيث شهدت الولايتين السابقتين لنتنياهو محطات ومنعطفات من التوتر والافتراق الشخصي وفي حدود ما السياسي مع إدارة أوباما، لذلك ورغم أن الرئيس الامريكي كان أول المهنئين لنتانياهو بعد فوزه الساحق على اليسار،الا أن الفوز كان بالنسبة له بمثابة سقوط رهانه في إحداث التغير في المعادلة والحياة السياسية الاسرائيلية،سيما وأن أوباما بذل جهداً مادياً واعلامياً كبيراً في تحقيق ذلك بغية إحراز تقدم في عملية السلام التي تقتضي إزاحة نتانياهو من المشهد السياسي،الأمر الذي يعتقده أوباما وإن لم يجاهر به صراحة.

وكان من اللافت عقب التنتخابات وانتصار نتانياهو، أن الولايات المتحدة باتت في حالة إفلاس سياسي ،حيث أن أملها المعقود على إستنئناف العملية السلمية ،قد تبدد في ضوء صعود نتانياهو على حساب اليسار الذي كانت الأدارة الامريكية تعول عليه في رؤيتها التي أسر بها وزير الخارجية جون كري قبيل الانتخابات، في مقابل ذلك بدا وكأن نتانياهو ايضا قد تفاجأ بفوزه،وهو ما تدلل عليه تصريحاته المتطرفة اثناء حملته الانتخابية، والتي تنصل خلالها من إلتزامه في حل الدولتين (اعلان بار ايلان2009)،ليجد نفسه بعد الفوز مطالبا بتقديم إلتزامات سياسية تعيد أحياء مصداقيته المتداعية في حمى الانتخابات،هنا من الأهمية أن نشير إلى أن الادارة الامريكية إقتنصت هذه الزلة من قبل نتانياهو، حيث أن هذه الزلة التي سقط فيها نتانياهو وفرت للادارة الامريكية خشبة الخلاص من مأزقها الأخلاقي وحالة إفلاسها السياسي،وبالتالي عمدت إلى توظيفها في سياق الضغط على نتانياهو للدفع بإتجاه احياء عملية السلام،الأمر الذي انطوى على لغة أمريكية تبدو للوهلة الأولى الأشد حزماً منذ عقود ،حيث لوحت واشنطن بنيتها إعادة النظر في الدعم الدبلوماسي حيال اسرائيل(الفيتو ) ناهيك عن تأكيد الأدارة من خلال مسؤوليها أن نتانياهو مطالب بتأكيد التزامه بحل الدولتين وأن التصريحات لا تكفي لأحياء مصداقيته لدى واشنطن.

من المهم الأشارة هنا، إلى أن نتانياهو يعلم حجم المأزق الذي أوقع نفسه فيه، وهو تبعاً لذلك يفهم أن عليه إبداء بعض من المرونة والإنحناء أمام العاصفة الأمريكية الأوربية قليلاً، هنا لا نتحدث عن إنقلاب قيمي وعقائدي وسياسي لدى نتانياهو، وإنما نقصد بالمرونة المناورة والتحايل السياسي في سياسة وسلوك حكومة نتانياهو القادمة وهو النهج الذي ستعبر عنه مواقف وقرارات نتانياهو خلال الأشهر القادمة، من الممكن أن نتوقع سياسة امريكية أكثر فاعلية بعد تشكيل الحكومة تستند على توظيف خطأ نتانياهو الجسيم الذي مس بأحد أهم قواعد ومبادئ الدبلوماسية الامريكية في الشرق الأوسط ولربما يمكن أن نقول أن هذا الخطأ السياسي يعد الثغرة الوحيدة أمام إدارة أوباما سيما وأن نتانياهو عاد إلى الحكم أقوى مما كان عليه وهي بالتالي يشكل خيار الناخب الاسرائيلي. ومع ذلك تبقى هذه الفاعلية أو اللغة السياسية الامريكية التي تصدر بين الحين والاخر من أروقة البيت الأبيض،تبقى محكومة بأفق زمني وسياسي محدود يدور في نطاق المهلة المتبقية من عمر ولاية أوباما الامر الذي يفهمه نتانياهو ويمارس لعبته وتكتيكاته بناء عليه في سياق سعيه للإفلات من قبضة أوباما المستاء من فوزه وحضوره السياسي في إسرائيل ....وبالتالي تمثل لغة الأدارة الامريكية تكرار لنمط وتقليد امريكي يمارس في أخر ولاية كل رئيس،وهو دور ستلعبه إدارة أوباما حيال نتانياهو،لكن ذلك يبقى بدون مفاعيل سياسية حيث سرعان ما تنتهي ولاية أوباما في ضوء سياسة المماطلة الاسرائيلية،وهلم جرا حتى قدوم رئيس أمريكي جديد لتبقى سياسة الباب الدوار سيدة الموقف والأداة السياسية الوحيدة التي تعبر عنها سياسات البيت الأبيض.

بقلم الأسير ماهر عرار من سجن النقب